قبل 57 عاماً، وقعت معركة خاطفة سُمّيت بـ الكرامة، استمرت 15 ساعة فقط، لكنها مثّلت أول نصر للعرب وأول هزيمة فادحة لـ “جيش إسرائيل الذي لا يُقهر”، كما تقول السردية العربية.
لنعد بالتاريخ قليلاً إلى عام 1948، حين وقف العرب مدهوشين ومهزومين في “نكبتهم” مع قيام دولة إسرائيل، وصولاً إلى حزيران عام 1967 حين حققت إسرائيل انتصاراً جارفاً في حرب “الأيام الستة” أو “النكسة” التي تكبّدت فيها الجيوش العربية خسائر كارثية، انتهت باحتلال إسرائيل شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
في ذلك الوقت، بدا الجيش الإسرائيلي واثقاً إلى حدٍ قاده بعد 9 أشهر من نشوة حرب 67 إلى تنفيذ اجتياح عسكري في غور الأردن.
حسابات مقلوبة
يبدو من شهادات الواقفين على تلك الحقبة أن إسرائيل فوجئت تماماً بانخراط الجيش الأردني في تلك المعركة، إذ قدّرت أنَّ هدفها المعلن بـ “القضاء على الفدائيين الفلسطينيين” سيدفع الجيش الأردني للوقوف متفرجاً؛ بالنظر إلى انهيار الجيش قبل شهور في حرب67 وعلاقته المضطربة مع المسلحين الفلسطينيين.
على أية حال، فقد روى أحمد جبريل الأمين العام السابق لجبهة تحرير فلسطين – القيادة العامة – أنَّ الاستعداد الجيّد للجيش الأردني وانخراطه المفاجئ والمبكر في المعركة بثقله المدفعي والصاروخي؛ قلبَ الحسابات الإسرائيلية رأساً على عقب، ودفعها بعد اقتتالٍ عنيفٍ ودامٍ إلى الانسحاب.
تحدثنا مع الكاتب والصحافي الإسرائيلي المتخصّص في الشؤون الفلسطينيّة داني روبنشتاين، الذي غطّى أحداث معركة الكرامة عندما كان مراسلاً لصحيفة هآرتس.
قال روبنشتاين: “الجيش الإسرائيلي يرفض القول إنه هُزم في المعركة – التي تُعرف بالكرامة أيضاً في إسرائيل، بل يقول إنه نجح في تحقيق هدفه الأساسي من العملية، وهو تحييد معسكرات وقواعد الفدائيين في الكرامة وعلى امتداد نهر الأردن”.
وبالعودة إلى الأرشيف، نجد في العدد 90 لصحيفة الاتحاد في 22 آذار/مارس عام 1968، موقفَ رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول، الذي برر العملية للكنيسيت قائلاً: “القوات الإسرائيلية طهرت أوكار المخربين وأبادت العشرات منهم، ونحن اضطررنا لاختراق خط وقف إطلاق النار، لأن الأردن لم يُوقف أعمال الفدائيين”.
ويضيف الصحافي الإسرائيلي روبنشتاين أنَّ الرأي العامَّ في إسرائيل يصف ما وقع بالهزيمة غير المقبولة، نظراً لحجم الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي، الذي كان يُفترض به خوض عملية خاطفة وسريعة ضد مجموعات محدودة من المسلحين الفلسطينيين.
ويتسق هذا الموقف مع ما تذكره الأدبيات العربية عن حديث رئيس الأركان الإسرائيلي “حاييم بارليف” لجريدة هآرتس يومَ الـ 31 مارس/آذار عام 1968، الذي قال فيه: “إسرائيل تعودت على الانتصارات الحاسمة، ولكنّ الكرامة كانت فريدة، بسبب كثرة الإصابات التي وقعت في صفوفنا واستيلاء القوات الأردنية على عدد من دباباتنا وآلياتنا، وهذا هو سبب دهشة الإسرائيليين إزاء الكرامة”.
معركة واحدة وروايات كثيرة
لكنَّ إسرائيل تقدّر خسائرها بنحو 30 جندياً وعشرات الجرحى وعدةِ آليات ودبابات استولى عليها الجيش الأردني.
في حين تتراوح التقديرات حول خسائر المقاتلين الفلسطينيين بنحو 100 مقاتل وعشرات الجرحى والأسرى.