في مرحلة من التطور الحضاري أصبح البشر، الكائنات الحية الوحيدة على كوكب الأرض التي تشرب الحليب ما بعد البلوغ بما في ذلك الحليب الذي يتم الحصول عليه من ثدييات أخرى.
من المعروف أن الحليب مُنتج يتميز بقدرته على مساعدة حديثي الولادة في جميع الثدييات على النمو بسرعة، ولا يحتاج البالغون إليهه، فلماذا يواصل البشر تناول الحليب نا بعد الطفولة؟
المختصون يقولون إن البشر قبل الثورة الزراعية كانوا يتغذون على الحليب بنفس طريقة جميع الثدييات الأخرى على الأرض. مصدر الحليب كان ثديي الأم، وفي مرحلة الطفولة الأولى فقط. هذا يعني أن الجنس البشري تكون في تلك الأزمنة في غياب كامل للتغذية بالألبان في مرحلة البلوغ.
هذا الأمر بدأ في التغير بعد مرحلة الاستقرار وظهور النشاطات الزراعية. منذ آلاف السنين بدأ البشر في العديد من مناطق العالم في تناول منتجات الحليب ما أدى إلى حدوث تغيرات في جيناتهم، بحسب علماء. بفضل ذلك، أصبح البشر البالغون قادرين على هضم الحليب بكفاءة أكبر بكثير من أسلافهم البعيدين أو أولئك القادمين من مناطق خالية من الألبان.
مع ذلك، تظهر بشكل متزايد دراسات علمية متنوعة تؤكد أن الحليب ليس مفيدا دائما خاصة لأجسام البالغين، ولذلك سُجل مؤخرا انخفاض في استهلاك الحليب في أوروبا بنسبة 30 بالمئة، وهذا الانخفاض متواصل.
الحليب منتج مثالي للنمو والتطور السريع لحديثي الولادة للبشر والحيوانات، لاحتوائه على كمية كبيرة من البروتين والأحماض الأمينية والدهون والهرمونات التي تحفز هذه العملية، مثل هرمون “الأستروجين”، وهو عامل نمو شبيه بالأنسولين، والذي يتحول بعد ذلك إلى هرمون “السوماتوستاتين” المثبط للنمو.
كل شيء في الحليب طبيعي من دون الأخذ في الاعتبار الهرمونات المضافة عند تربية الحيوانات. الخبراء يحذرون من أن استهلاك البالغين للحليب يزيد من مخاطر الإصابة بالأورام السرطانية مثل بطانة الرحم والبروستاتا. هذا في حالة الإفراط في تناول الحليب، ولكن إذا تم تناوله بصورة معتدلة، فالمخاطر تتدنى.
يقول أطباء إن الدهون الحيوانية الموجودة في الحليب تؤدي إلى زيادة نسبة الدهون في الدماء “السيئة”، ما يؤدي إلى تطور تصلب الشرايين وأمراض القلب والأوعية الدموية والخرف.
علاوة على ذلك يرصد المختصون أن حمض “الليوسين” الأميني الموجود في الحليب يحفز أيضا التكاثر النشط ونمو الخلايا، ما يعزز في نفس الوقت نمو الأورام في مرحلة البلوغ.
يعض الأشخاص يتناولون الحليب خصيصا من أجل الحصول على الكالسيوم لتقوية أنسجة العظام. خبراء يقولون أن الكالسيوم من دون توفر الكمية المناسبة من المغنيسيوم وفيتاميني “د” و”ك2″ يمكن أن يستقر داخل الأوعية الدموية ما يؤدي إلى تكلسها، ويجر ذلك مضاعفات مثل ارتفاع ضغط الدم وحدوث قصور مزمن في الأوعية الدموية.
توجد أيضا مركبات ضارة أخرى في الحليب هي “الجلوبيولين والكازين”، وهما نوعان من البروتينات يحتاج هضمهما إلى وقت طويل، وغالبا ما يتحول البروتين إلى أحماض أمينية ويتم امتصاصها باعتبارها بروتينات، ما يؤدي على حدوث تلف والتهاب بالأمعاء قد يؤدي إلى تفاعلات حساسة وعمليات نمو للأورام وأيضا اختباس الماء في الجسم والتهاب المفاصل.
ربما سيكون على أولئك الذين تعودوا على تناول كميات يومية كبيرة من الحليب إعادة النظر في نظامهم الغذائي ومحاولة تقليلها لاستعادة التوازن الطبيعي في أجسامهم. قد تختلف الآراء في هذا الشأن ولكن إذا استرشدنا بالطبيعة الأم، فلا أحد على الأرض من الثدييات يتغذى على الحليب ما بعد بلوغه عدا الإنسان.
المصدر: RT
إقرأ المزيد
أول هندسة وراثية في التاريخ.. كيف أنقذت “أم الدنيا” نفسها من المجاعة؟
تمكنت الحضارة المصرية دون غيرها من النجاة من جفاف قاس بين عامي 1250 – 1100 قبل الميلاد بوسائل غير مسبوقة. تفادت ذلك الخطر الداهم رغم أنها قاست من جفاف أطول بنصف قرن.
“دقائق في العالم الآخر”.. شهادة مفصلة لـ”عائدة” من الموت!
يروي العديد من العائدين من الموت السريري أحداثا متشابهة عن أحاسيسهم في هذه التجربة الفريدة مثل مشاهدتهم لأجسامهم على طاولة العمليات، وضوء في آخر نفق.
قبيلة لا ينام أفرادها إلا ساعتين!
يتشابه البشر رغم تعدد وتنوع الثقافات، الجميع مثلا يحن ويتذكر الماضي ويتوق إلى المستقبل، إلا أن بعض القبائل التي بقيت منعزلة اكتسبت طريقة تفكير مختلفة، إحداها لا تعرف إلا الحاضر.
وصفة “الزبادي” السحرية للعيش 130 عاما!
دخل إيليا ميتشنيكوف، عالم الأحياء والمناعة الروسي “1845- 1916″، التاريخ بالعديد من الإنجازات منها تأسيسه لعلم الشيخوخة واكتشافه الرائد لطريقة عمل المناعة في الأجسام الحية.
“سلاح السرطان” واليد الخفية!
رصد في أمريكا اللاتينية إصابة عدد من قادتها المعادين للولايات المتحدة بالسرطان، وامتد إصبع الاتهام إلى واشنطن. الشبهات زادت يعد وفاة الزعيم الفنزويلي هوغو تشافيز بسرطان الأمعاء.