قد يتداخل أحياناً الطعام الذي نتناوله مع آلية عمل الأدوية، وهو ما يحاول العلماء حالياً الاستفادة منه لتعزيز فعالية العلاجات.
كانت مشكلة محرجة، خمس ساعات من الانتصاب المستمر، مع ألم. احتار الأطباء في البداية من مشكلة رجل يبلغ من العمر 46 عاماً، وصل إلى قسم الطوارئ في مستشفى في تاميل نادو، الهند، بعد أن تناول دواء سيلدينافيل – المعروف باسم الفياجرا – لعلاج ضعف الانتصاب.
ورغم تناوله الدواء ضمن الجرعات الموصوفة، وقع في هذه المشكلة.
وعند استجوابه، علم الأطباء أن الرجل شرب أيضاً جرعة كبيرة من عصير الرمان. وقاموا بعلاجه بحقن مقاومة للآثار، ونصحوه بالتوقف عن شرب العصير في المستقبل، بعد أن استنتجوا أنه زاد من فاعلية الدواء – بشكل غير مرغوب فيه – دون قصد.
وعلى سبيل المثال، يُعرف منذ زمن أن فاكهة الجريب فروت قادرة على تعزيز مفعول مجموعة واسعة من الأدوية، مما قد يزيد من احتمال حدوث آثار جانبية، أو حتى يمكن أن يجعل الجرعات العادية سامة. في المقابل، يمكن للأطعمة الغنية بالألياف أن تقلل من فعالية بعض الأدوية.
وتشير المراجعات العلمية إلى أن التفاعلات الغذائية قد تُشكل تهديداً كبيراً لسلامة وفعالية العلاج الدوائي الفموي.
وبدأ الخبراء مؤخراً بتتبع هذه التفاعلات بشكل منهجي، بل يأمل البعض في تسخير هذه التركيبات لجعل الأدوية تعمل بشكل أفضل من عملها بمفردها.
وتشترط كل من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ووكالة الأدوية الأوروبية خضوع الأدوية لاختبارات تأثير الطعام، إذ تشمل التجارب أشخاصاً صائمين، أو أشخاصاً تناولوا وجبة غنية بالسعرات الحرارية والدهون – شريحتان من الخبز المحمص مع الزبدة، وشريحتان من اللحم المقدد المقلي، وبيضتان مقليتان، وبعض البطاطس المقلية، وكوب كبير من الحليب كامل الدسم – إذ من المستحيل اختبار كل شيء.
وتقول يلينا ميلشيفيتش، الباحثة المشاركة في مركز التميز البحثي في التغذية والأيض في بلغراد، صربيا، إن عملية الأيض البشري معقدة، مضيفة أنها “أشبه بمصنع صغير، هناك الكثير من المدخلات والكثير من المخرجات”.
وبمجرد تداخل جميع التفاعلات الكيميائية للجسم – الطعام، والدواء – “يصبح الأمر هائلاً، ويصعب فصله”، كما تقول ميلشيفيتش، التي تبحث في كيفية تأثير فيتامين (د) على الأدوية في الجسم، والعكس.
وقد كانت بعض تفاعلات الطعام مع الأدوية معروفة منذ الثمانينيات.
ومن الأمثلة الشهيرة تأثير الجريب فروت وعصيره على الأدوية، بما في ذلك بعض أدوية خفض الكوليسترول مثل الستاتينات، بالإضافة إلى الأدوية المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم، مثل نيفيديبين وفيلوديبين.
كما يتفاعل الجريب فروت مع السيكلوسبورين – وهو دواء يُستخدم لتثبيط الجهاز المناعي لتجنب رفض الأعضاء بعد الزراعة – بالإضافة إلى العديد من الأدوية الأخرى التي يستخدمها المرضى على نطاق واسع حول العالم.
ويمكن للجريب فروت مضاعفة كمية الدواء التي يمتصها الدم، مما يعني زيادة فعالية الجرعة، بما في ذلك بعض أدوية الملاريا مثل أرتيميثر وبرازكوانتل، والأدوية المضادة للفيروسات مثل ساكوينافير. ويحدث ذلك عن طريق تثبيط إنزيم رئيسي يُسمى CYP3A4 (سايتوكروم P450 3A4)، المسؤول عن تفكيك العديد من أنواع الأدوية.
ومن المحتمل أن يؤدي هذا التثبيط إلى تراكم الأدوية في الجسم لتصل إلى مستويات قد تكون سامة، كما هو الحال مع دواء ضعف الانتصاب سيلدينافيل، المعروف تجارياً باسم الفياجرا.
كما تميل عصائر الفاكهة إلى التسبب في تفاعلات أقوى مقارنة بالفاكهة نفسها، لأنها غالباً ما تكون مركزة، ما يعني أنها تحتوي على مستويات أعلى من المركبات الفعالة التي تتفاعل مع الأدوية.
كان يُعتقد أيضاً أن التوت البري يتفاعل مع الوارفارين – دواء مضاد للتخثر – بذات الطريقة.
وتقترح عشرات التقارير التي تحدثت عن حالات مرضى تناولوا عصير التوت البري – في إحداها تناول شخص نصف كوب (113 غراماً) من التوت البري مع شطائر الديك الرومي يومياً لمدة أسبوع – أن التوت البري يمكن أن يعزز تأثير الوارفارين في تسييل الدم.
تقول آن هولبروك، مديرة قسم علم الأدوية السريرية والسموم في جامعة ماكماستر في هاميلتون، كندا: “تقتصر معظم الدراسات على تقارير حالات رديئة الجودة تتجاهل عوامل التداخل الواضحة”.
وبينما تتطلب الإجابة على هذه الأسئلة مشاركة المئات من المرضى على الأقل، مقسمين عشوائياً لتلقي الوارفارين بمفرده، مقابل الوارفارين مع التوت البري، ضمن سيناريوهات تُستخدم فيها منتجات التوت البري المعيارية، وفق هولبروك.
ويضيف أندرو ماكلاشلان، عميد كلية الصيدلة في جامعة سيدني، أن نوع العصير- الطازج أو المركز أو المستخلص- بالإضافة إلى كمية الفاكهة وتوقيت تناول الدواء، كلها عوامل تؤثر على التفاعل الدوائي.
“لا تؤدي التفاعلات دائماً إلى جعل الأدوية أكثر سمية أو أكثر خطورة فقط؛ بل يمكن أن تضعف تأثيرها أيضاً”.
عرق السوس غذاء آخر وُجد أنه يتفاعل مع الأدوية من خلال تأثيره على عدد من إنزيمات السيتوكروم التي تعمل عادةً على تفكيك الأدوية.
ويؤثر عرق السوس على أدوية مثل دواء أمراض القلب ديجوكسين، وبعض مضادات الاكتئاب، على الرغم من أن الدراسات التي تُقيّم هذا التأثير بدقة، تُشير إلى أنه لا يُفترض أن يُسبب أي آثار جانبية سريرية.
هذه كلها أسباب تجعل فهم التفاعلات بين الأطعمة والأدوية أفضل من خلال نهجٍ تدريجي، إذ يقول تشان إنه “لا يمكننا اعتبار تفاعلات الأدوية على أنها إما كاملة أو معدومة، إذ تُصنف تفاعلات الأدوية إلى درجات، فقد تكون شديدة، أو متوسطة، أو طفيفة”.
وفي عام 2017، اكتشفت دا غراسا كامبوس تفاعلاً غريباً آخر عندما نُقل مريض يتناول دواءً لالتهاب المفاصل إلى المستشفى على وجه السرعة بسبب آلام في أطرافه، وفقر الدم الذي يعاني منه.
وتبين أن المريض تناول مشروباً من نبات (الخرشوف/الأرضي شوكي)، وتفاعل مع دواء التهاب المفاصل، المسمى كولشيسين، إلى جانب أدوية أخرى كان يتناولها لمرض السكري وارتفاع ضغط الدم.
تقول دا غراسا كامبوس: “كان الأمر سيئاً للغاية. في البداية، ظننا أنه قد يحتاج إلى عملية زراعة كبد، كان الأمر معقداً جداً”. ولحسن الحظ، تعافى المريض بشكل كامل تلقائياً.
وتُستخدم الأعشاب والمستخلصات، مثل منقوع الخرشوف، في الطب التقليدي ولا تخضع لرقابة صارمة، كما تقول دا غراسا كامبوس، على الرغم من أنها أحياناً تُضاهي في فعاليتها الأدوية الاصطناعية.
كما درست دا غراسا كامبوس أيضاً حالة سريرية تفاعل فيها الكركم ومكمل غذائي مصنوع من طحالب الكلوريلا مع أدوية السرطان التي يتناولها أحد المرضى، مما تسبب في سمية شديدة في الكبد.
ومن المعروف أيضاً أن الكركم يُعزز تأثير مميعات الدم وأدوية السكري، ويمكن أن تتفاعل مستخلصات زهرة نبتة سانت جون مع أدوية القلق والاكتئاب، وبعض أدوية منع الحمل، وبعض أدوية العلاج الكيميائي.
ولا تجعل التفاعلات في الجسم، الأدوية أكثر سمية أو خطورة فقط، بل يمكن أن تُضعف فعاليتها أيضاً.
ويبدو أن الوارفارين (الدواء المضاد للتخثر الذي يثير جدلاً حول تفاعله مع التوت البري) له علاقة غير معتادة مع فيتامين K الموجود في الخضروات الورقية، إذ عندما يلتقي الوارفارين بفيتامين K في الدم، تقل فعاليته.
وهذا لا يعني أن المرضى الذين يتناولون الوارفارين يجب أن يتجنبوا الخضروات الورقية، لكنه يعني أن جرعة علاجهم يجب أن تُضبط وفقاً لنظامهم الغذائي المعتاد، وأن يظل نظامهم الغذائي متسقاً.
يقول تشان: “هل تأكل كمية أكبر من الخضروات الورقية؟ ربما سيزيد الطبيب جرعة الوارفارين لمواجهة تأثيرها”.
كما يُنصح المرضى الذين يتناولون فئة من مضادات الاكتئاب تُعرف باسم مثبطات أكسيداز أحادي الأمين (MAOIs)، باتباع نظام غذائي منخفض الأطعمة المخمرة وبعض أنواع الجبن نظراً لارتفاع مستويات التيرامين فيها.