هل الارتباط بشريك جديد يمحو آلام الانفصال؟

يمثّل فشل أي علاقة عاطفية مصدر ضغط نفسي كبير، ولا يُستغرب أن يؤدي ذلك إلى تدهور في الحالة الذهنية، وغالباً ما يسارع الأصدقاء المقرّبون، بدافع من الحرص، إلى تحذيرك من التسرّع في الدخول في علاقة جديدة، خاصة إذا كان الطرف الآخر يشبه من انفصلت عنه للتو، خشية أن تتعرّض لصدمة عاطفية مجدّداً.

ورغم أن تجاوز العلاقة السابقة بسرعة غالباً ما يُقابل بنوع من الوصمة الاجتماعية، فإن دراسات عدّة تشير إلى أن الدخول في علاقة جديدة قد يكون، في بعض الحالات، خطوة مفيدة في التعافي.

لكن لماذا لا تزال هذه الوصمة قائمة؟ وكيف يمكن بناء علاقة جديدة تساعدنا فعلاً على تجاوز آثار العلاقة السابقة؟ وما مدى خطورة الارتباط بشخص يحمل صفات تذكّرنا بالحبيب السابق؟

تقول كلوديا برومبو – وهي خبيرة في علم النفس تجري دراسات في إحدى الجامعات الأمريكية حول العلاقات التي تنشأ بين البالغين – إن “من يسارعون بالبدء في علاقات غرامية جديدة، ينعمون بحياة رومانسية أفضل”.

ويُعزى ذلك إلى أن الفاصل الزمني القصير بين العلاقتين ساعد على الحفاظ على توازنهم العاطفي، ما سمح لهم بالانتقال بسلاسة من تجربة إلى أخرى دون انهيار داخلي.

ومن الأسباب الشائعة التي تُطرح لتبرير التريّث قبل الدخول في علاقة عاطفية جديدة، أنّ الشخص يحتاج إلى وقت ليلتئم جرحه ويزداد نضجاً قبل الإقدام على خطوة جديدة.

لكن المشكلة أن هذا النوع من “النضج” لا يمكن التحقق منه بسهولة، إذ يستند في الغالب إلى ما يقوله الفرد عن نفسه، لا إلى معطيات ملموسة.

والمفاجأة أن الدراسات التي تناولت تأثير التجارب الصادمة أو المؤلمة على تطوّر الإنسان، تشير في معظمها إلى أن مثل هذه الأحداث لا تؤدي فعلياً إلى تغيّرات جوهرية في الشخصية.

ويعود ذلك إلى ما يُعرف في علم النفس بـ”الأوهام الإيجابية”، وهو تحيّز معرفي يجعلنا نبالغ في تقدير مدى تطورنا بعد التجارب الصعبة، كوسيلة لحماية صورتنا الذاتية.

وتشير الدراسات التي أجراها تاي تاشيرو، خلال عمله في جامعة ميريلاند، إلى أن اختبارات النضج العقلي والعاطفي وتطوّر الشخصية لم تُظهر أي فروق ملحوظة، سواء وجد الشخص شريكاً جديداً سريعاً، أو انتظر فترة أطول بعد الانفصال.

بمعنى آخر، فإن الانتظار قبل الدخول في علاقة جديدة لا يضمن بالضرورة تطوراً أكبر في الشخصية أو نضجاً أعمق.

ومع ذلك، قد يقنع الإنسان نفسه بأنه أصبح أكثر نضجاً، حتى لو لم يكن ذلك دقيقاً على أرض الواقع.

ويلفت تاشيرو إلى أن تصوّرنا لمستوى نضجنا بعد الانفصال يرتبط غالباً بالطريقة التي نفسّر بها سبب فشل العلاقة السابقة، فهل نُلقي باللوم على أنفسنا، أم على الطرف الآخر، أم على ظروف خارجية؟

في المقابل، الذين حمّلوا أنفسهم مسؤولية الفشل، كانوا أقل شعوراً بالنضج أو التغيّر الإيجابي، ويبدو أن النضج الحقيقي يرتبط بالدروس التي يستخلصها الإنسان من التجربة العاطفية، لا بمدى طول أو قصر الفترة بين علاقتين.

ويقول تاشيرو إن أحد أفضل النماذج التي صادفها تمثّل في رجل قال له: “تعلّمت من علاقتي السابقة أن أقول آسف”.

ويعلّق الباحث: “أحببت هذا الجواب لأنه بسيط وصادق، ومثل هذا الدرس الصغير قادر على إحداث فارق حقيقي في كل علاقة يخوضها لاحقاً”.

ويمكن فهم اعتمادنا على الآخرين للحصول على الدعم العاطفي من خلال “نمط الارتباط” الذي يميّز علاقاتنا. وتتأثر الطريقة التي نطلب بها المؤازرة العاطفية بمدى شعورنا بالأمان أو القلق أو الميل إلى الانطواء.

غالباً ما تؤدي معاملة الوالدين للطفل بشكل متّسق في مرحلة الطفولة إلى نشأة شعور بالأمان في العلاقات العاطفية مستقبلاً. وفي هذه الحالة، يميل الشخص إلى الثقة بالآخرين واللجوء إلى الأصدقاء أو أفراد الأسرة للحصول على الدعم.

لكن نظرية الارتباط العاطفي تصبح أكثر تعقيداً عندما يكون الفرد منخرطاً في علاقات لا يشعر فيها بالأمان. فالذين مرّوا بتجارب غير مستقرة يميلون إلى الدخول في علاقات جديدة بسرعة، لكن بدوافع مختلفة عن أولئك الذين ينعمون بعلاقات مستقرة.

في المقابل، يُعرف الأشخاص الانطوائيون بقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم، وغالباً لا يعودون بالتفكير إلى شركائهم السابقين عند المضيّ قُدُماً. ورغم ميلهم إلى تجنّب الحميمية، فإن ذلك لا يمنعهم من الدخول في علاقات عاطفية.

وتقول خبيرة علم النفس كلوديا برومبو: “غالباً ما يشعر القلقون بالغيرة، ويتشبّثون بالحصول على الاهتمام دون أن يقدّموه بالمقابل. أما الانطوائيون، فيتجنّبون الحميمية ويفضّلون الانغماس في العمل، رغم أنهم لا يمانعون إقامة علاقات عاطفية”.

وتُظهر الدراسات أن أسلوب الوالدين في معاملة الطفل قد يؤثر على نمط الارتباط لديه مستقبلاً، لكن هذا النمط ليس قدراً حتمياً. فالدخول في علاقة مع شريك حنون ومستقر عاطفياً يمكن أن يعدّل من هذا النمط ويقود إلى علاقات أكثر أماناً. ومع ذلك، تشير بعض الأبحاث إلى أن أنماط الارتباط قد تكون موروثة جزئياً، ما يحدّ من مدى قابليتها للتغيير.

غالباً ما يعيد الناس إنتاج نمط الارتباط ذاته عند بدء علاقة جديدة، خصوصاً عندما يتشابه الشريك الجديد مع السابق في الشخصية والطباع. وقد يُسقط الشخص انطباعاته عن شريكه السابق على الجديد، حتى وإن لم تكن هناك تشابهات حقيقية.

وتعلّق برومبو بالقول: “الناس يحبون الاتساق، ولهذا يميلون لاختيار شركاء يشبهون من أحبّوهم سابقاً. وقد أظهرت الأبحاث أن من يتعافون بسرعة من علاقاتهم الفاشلة هم من شعروا أن الشريك الجديد يُشبه السابق. لكن هذا التشابه في الغالب يكون تصوراً شخصياً، لا حقيقة مثبتة بالأدلة”.

ويميل طرفا أي علاقة عاطفية إلى تبنّي مفاهيم مشتركة حول نفسيهما، بحيث يرى كل منهما الآخر جزءاً من هويته، كما يتشاركان الأصدقاء والهوايات، وهو ما يجعل الانفصال تجربة مربكة نفسياً، إذ يشعر كل طرف وكأنه فقد جزءاً من ذاته، أو خسر شخصاً يشاركه اهتماماته الخاصة.

ومن العوامل التي قد تساعد في تجاوز العلاقة السابقة، السعي للارتباط بشريك جديد يلبّي بعض الاحتياجات العاطفية التي كان الشريك السابق يوفّرها.

لكن تصور وجود أوجه شبه بين الشريكين القديم والجديد يحمل في طيّاته إيجابيات وسلبيات، خاصة عندما يكون هذا التشابه مبنياً على تصوّرات شخصية لا على وقائع ملموسة.

وتوضح خبيرة علم النفس كلوديا برومبو هذه الفكرة بالقول: “إذا كان لدى شريكي الحالي، ولنسمّه بوب، شيء يذكّرني بشريكي السابق سام، فقد أبني افتراضات مبالغاً فيها حول شخصية بوب”.

في نهاية المطاف، يبدو واضحاً أن الدخول في علاقة عاطفية بهدف التعافي من علاقة فاشلة لا يُعدّ بالضرورة “العلاج المثالي للقلب المكسور”.

ومع ذلك، ليس من الخطأ أن يشجّعك أصدقاؤك على المضيّ في هذا الاتجاه، إذ قد تتحقّق بعض الفوائد النفسية من هذه الخطوة.

فالفشل العاطفي غالباً ما يكون صادماً، ولا يمكن الجزم بأن الإسراع في بدء علاقة جديدة بعده يُعدّ قراراً متسرّعاً بالضرورة.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future

 

المصدر: BBC