الرباط – أعلنت حركة “جيل زد” بالمغرب عن إطلاق حملة لمقاطعة شركات يملكها رئيس الحكومة عزيز أخنوش، وذلك بعد نحو أسبوعين من احتجاجات قادها شباب الحركة في عدد من المدن المغربية.
وانطلقت الحركة من الفضاء الرقمي -خاصة عبر منصة ديسكورد- قبل أن تنتقل إلى الشارع من خلال احتجاجات يومية تطالب بمراجعة السياسات العمومية في قطاعي التعليم والصحة.
ومنعت وزارة الداخلية في البداية، تنظيم هذه الاحتجاجات بدعوى عدم الترخيص لها، واعتقل مئات المتظاهرين قبل أن يُطلق سراح معظمهم لاحقا. وبعد تسجيل أعمال عنف وتخريب في بعض المدن، سمحت السلطات بتنظيم المظاهرات بشكل سلمي.
ورغم دعوة رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى الحوار من داخل المؤسسات في أول تصريح رسمي له، واصل شباب الحركة احتجاجاتهم وطالبوا بإسقاط الحكومة.
وأعلنت الحركة تعليق جميع أشكالها الاحتجاجية المقررة يوم الجمعة الذي يتزامن مع افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، إذ من المنتظر أن يلقي فيها الملك المغربي محمد السادس خطابا رسميا أمام أعضاء مجلسي النواب والمستشارين.
وأوضحت الحركة، في بيان، أن قرار التعليق جاء بدافع “الاحترام للمؤسسة الملكية وتقديرا لرمزية الخطاب الملكي”، مؤكدة أن عدم تنظيم أي احتجاج يوم الجمعة “لا يعني تراجعا عن المطالب المشروعة بل هو تعبير عن الانضباط والوعي والمسؤولية الوطنية”.
تطور المطالب
وشهدت مطالب الحركة تحولا منذ انطلاقتها، إذ انتقلت من التركيز على القضايا الاجتماعية ومراجعة السياسات العمومية في قطاعي الصحة والتعليم إلى محاربة الفساد ورحيل الحكومة قبل أن تتحول إلى دعوة لمقاطعة شركات رئيس الحكومة.
وتشمل لائحة حملة المقاطعة 12 شركة تابعة للمجموعة الاقتصادية التي يمتلكها عزيز أخنوش وتنشط في مجالات الغاز والنفط والمواد الغذائية والإعلام والضيافة والفنادق.
وقالت الحركة، في بيان نشرته على منصة ديسكورد وباقي صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إن شركات رئيس الحكومة “رمز للاحتكار وزواج المال بالسلطة”.
ومنذ توليه رئاسة الحكومة عام 2021، واجه أخنوش اتهامات بالجمع بين المال والسلطة وبتضارب المصالح كونه يملك واحدة من كبرى المجموعات الاقتصادية في المملكة، واستفادت شركاته من صفقات مهمة مثل إنشاء محطة تحلية مياه البحر في الدار البيضاء، وفق ما ذكرت الصحافة المغربية.
غير أن عزيز أخنوش نفى هذه الاتهامات، وأكد أن الصفقة كانت “واضحة وشفافة” وأن شركات مغربية ودولية شاركت في طلب العروض المتعلق بصفقة محطة تحلية مياه البحر وظفر بها تحالف شركات تقوده شركة إسبانية وشركتان في ملكيته.

تداعيات المقاطعة
ولم تشهد شركات رئيس الحكومة المدرجة في بورصة الدار البيضاء أي خسائر منذ إطلاق حملة المقاطعة، ويتعلق الأمر بشركتي “أفريقيا غاز” و”المغرب أكسجين”.
وفي نهاية التداول في بورصة الدار البيضاء ليلة الأربعاء، عرف سعر سهم “أفريقيا للغاز” استقرارا مقارنة باليوم السابق، بينما شهد سعر سهم “المغرب أكسجين” انخفاضا طفيفا بمقدار 0.10، وهو ما يفسره الخبراء بحركة طبيعية في السوق.
وفي وقت لم يصدر أي تفاعل رسمي من الشركات المعنية بحملة المقاطعة، قال المحلل المالي هشام بن لامين إن أسهم الشركات المدرجة في البورصة لم يتأثر في اليومين الماضيين اللذين شهدا إطلاق حملة المقاطعة.
وأوضح للجزيرة نت أن شركة “المغرب أكسجين” التي سجلت تذبذبا طفيفا في سعر سهمها لا تتعامل مباشرة مع المواطنين، بل مع الشركات والمصحات، لذلك فهذا التذبذب “لا يرتبط بحملة المقاطعة”.
وأضاف المحلل المالي أن تأثير المقاطعة قد يظهر في حال استمرارها لفترة طويلة وتوسع نطاق المشاركة فيها، خاصة على شركة “أفريقيا غاز” التي تمتلك محطات لتوزيع الوقود، مشيرا إلى أن “أسهمها قد تتراجع وقيمته السوقية قد تنخفض كما حدث في حملة المقاطعة السابقة التي استهدفتها قبل سنوات”.
وكانت حملة مقاطعة مماثلة انطلقت عام 2018 قد شملت محطات توزيع الوقود يمتلكها عزيز أخنوش الذي كان حينها وزيرا للفلاحة والصيد البحري في حكومة سعد الدين العثماني، إلى جانب شركتين أخريين.
وانطلقت تلك الحملة من مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الضغط على الشركات التي تهيمن على السوق بهدف خفض الأسعار، وأسفرت عن انخفاض في أسهمها وخسائر كبيرة.
وقال بن لامين إلى أن القيمة السوقية لسهم “أفريقيا غاز” انخفضت آنذاك بنسبة 5.5% نتيجة تأثير تلك المقاطعة الواسعة.
من جانبه، استبعد الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المستقل للدراسات الاستشرافية إدريس الفينة أن تكون لهذه الحملة تداعيات على شركات رئيس الحكومة، لأن “مستوى نضج المغاربة لن يجعلهم ينجرفون وراء مثل هذه الدعوات” وفق تعبيره.
وأشار إلى أن “حملة المقاطعة ستضعف الحركة بشكل كبير، لأنها اختارت مطالب لا تحظى بالإجماع الشعبي”.
ووصف الفينة، في تصريح للجزيرة نت، هذه الحملة بأنها “غير محسوبة ومرتبكة”، موضحا أنه لا يرى أي علاقة بين الاحتجاج ضد السياسات العمومية ذات البعد الاجتماعي وبين استهداف مصالح شخصية لرئيس الحكومة من خلال الدعوة إلى مقاطعة شركاته.
وأضاف أن الاحتجاج يجب أن يظل في نطاقه الطبيعي المتعلق بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية، مشيرا إلى أن “الربط بين السياسة والمقاطعة الاقتصادية يُعبر عن غياب النضج السياسي لدى المجموعة التي تقود حركة جيل زد، أو ربما عن وجود أهداف أخرى لم تتضح بعد”.
وأكد أن المقاطعة كأداة احتجاجية تحتاج إلى وعي بالسوق وآليات المنافسة، مشيرا إلى أن المغرب يتوفر على “مجلس المنافسة” وهو الهيئة المخولة قانونا بمراقبة أي حالات احتكار أو تضارب مصالح وليس من صلاحيات أي حركة احتجاجية إصدار أحكام بهذا الشأن.
المصدر: الجزيرة