مع كلّ طفرة تقنية نشهدها، يبرز سؤال جوهري: كيف نطيل عمر الأجهزة التي تتطور بوتيرة أسرع من قدرتها على الاحتفاظ بالطاقة؟
فبينما تتسابق الشركات في تحسين المُعالجات، وتعزيز الكاميرات، وتصغير التصاميم، تبقى البطارية الحلقة الأضعف والمعضلة الفيزيائية في قلب الثورة الرقمية.
ومع تحول الهواتف الذكية إلى امتداد دائم لحياة المستخدم، لم يعد تحسين الأداء ترفا تقنيا، بل ضرورة تمس تجربة المستخدم اليومية. فالبرمجيات تزداد ذكاء، لكن بطارياتنا لا تفعل ذلك، ومن هنا يتحول تحسين الأداء إلى ابتكار.
في هذا السياق، لم يعد من الغريب أن تتجه الشركات نحو حلول برمجية تتجاوز إدارة الأداء إلى إدارة الطاقة نفسها، مدفوعة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي. ومن هذا المنطلق، أعلنت آبل ضمن نظام “آي أو إس 26” (iOS 26) عن ميزة جديدة تحمل اسم “الطاقة التكيفية” (Adaptive Power)، في خطوة قد تمثل بداية لتحول نوعي في علاقة المستخدم بجهازه، خاصة في ظل ما يُتداول عن التصميم فائق النحافة لهاتف “آيفون 17 آير” المرتقب.

“الطاقة التكيفية”.. ميزة خفية لكنها واعدة
رغم أن آبل لم تبرزها في الكلمة الافتتاحية لمؤتمرها (WWDC)، تظهر ميزة “الطاقة التكيفية” (Adaptive Power) كواحدة من أكثر إضافات “آي أو إس 26” إثارة للاهتمام، إن لم تكن الأكثر أهمية.
فهي مدعومة بالذكاء الاصطناعي، ومصممة خصيصا لإطالة عمر بطارية الآيفون عبر مجموعة من التعديلات الذكية، مثل خفض سطوع الشاشة، وتفعيل وضع الطاقة المنخفضة (Low Power Mode) تلقائيا عند وصول الشحن إلى 20%، مما يحد من الأنشطة في الخلفية ويطيل عمر البطارية أكثر.
لكن الميزة تتجاوز ذلك، إذ تسمح للنظام بإجراء “تعديلات بسيطة في الأداء”، مثل السماح لبعض المهام بأن تستغرق وقتا أطول بهدف خفض استهلاك الطاقة في الخلفية دون أن يشعر المستخدم بتراجع كبير في الأداء.
من جهة مماثلة، آبل ليست الوحيدة التي تراهن على الذكاء الاصطناعي، فشركات مثل سامسونغ وغوغل تتبع إستراتيجيات متقدمة في هذا المجال. وتستخدم سامسونغ عبر واجهتها “وان يو آي” (One UI) تقنيات التعلم الآلي لتحليل أنماط استخدام التطبيقات وتعديل استهلاك الطاقة في الخلفية (Background Power Consumption) بناء على ذلك.
بينما تعتمد غوغل في هواتف “بيكسل” على ميزة “البطارية التكيفية” (Adaptive Battery) التي تسمح للنظام بتحديد التطبيقات التي تستهلك الطاقة بشكل كبير وتقليل نشاطها في الخلفية.
لماذا الآن؟ وما الذي تغير؟
وجود ميزة كهذه ضمن إعدادات الطاقة، وليس كتطبيق مستقل أو ميزة بارزة في واجهة النظام، يعكس بوضوح توجه آبل لتقديم حلول ذكية خلف الكواليس، تتدخل فقط عند الحاجة.
والمثير أن الوصول إلى هذه الميزة في النسخة التجريبية للمطورين يتطلب التنقل عبر عدة قوائم داخل تطبيق الإعدادات، مما يزيد الشعور بأنها لم تأخذ نصيبها من تسليط الضوء، رغم أنها قد تغير تجربة الاستخدام اليومية بشكل ملموس، خاصة في السيناريوهات التي تُستهلك فيها طاقة الجهاز بشكل مكثف، كتحرير الصور والفيديو أو أثناء الألعاب.
في السياق ذاته، هذه الميزة ليست حكرا على طراز واحد، حيث ستكون متاحة لجميع أجهزة آيفون الداعمة لـ”آي أو إس 26″. ومع ذلك، فسيكون المستفيد الأكبر منها على الأرجح المستخدمين الذين يمتلكون أجهزة ببطاريات أصغر، مثل “آيفون 16” و”آيفون 16 برو”، أو أولئك الذين يفضلون التصميمات النحيفة على حساب البطارية.

“آيفون 17 آير”.. نحافة التصميم تحرض ذكاء الطاقة
في ظلّ ما يُتداول عن إطلاق “آيفون 17 آير”، الهاتف الأنحف في تاريخ آبل، يتجدد النقاش حول المفاضلة الأزلية بين جمالية التصميم وأداء البطارية. فالهواتف النحيفة، مهما بلغت أناقتها وخفة وزنها، تأتي غالبا على حساب سعة البطارية، كما أظهرت تجارب واقعية مع أجهزة مثل “سامسونغ غلاكسي إس 25 إدج” و”أوبو فايند إن 5″ (Oppo Find N5)، التي لا تكاد تصمد حتى نهاية اليوم دون شحن.
هنا تحديدا، تبرز ميزة “الطاقة التكيفية” كحل برمجي مبتكر يسعى لسدّ هذه الفجوة. فهي لا تكتفي بتقليص استهلاك الطاقة، بل تعيد هندسة طريقة إدارة الأداء في الجهاز نفسه، لتعويض ما يخسره المستخدم مع كل مليمتر يُقتطع من سماكة الهاتف.
وإذا تمكنت آبل من إطالة عمر بطارية “آيفون 17 آير” بشكل ملحوظ، فسيكون ذلك بفضل هذه الطبقة البرمجية الذكية، التي لا تعمل على تحسين تجربة الاستخدام فقط، بل تحمي فلسفة التصميم ذاته من أن تتحول إلى عبء على المستخدم.
هل هي بالفعل قوة خارقة؟ أم ذكاء في الوقت المناسب؟
مع كل الحماس المحيط بـ”الطاقة التكيفية”، يبقى التحدي الحقيقي في التنفيذ اليومي. فهي لا تعد بإحداث ثورة شاملة، لكنها تشير إلى اتجاه جديد: أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أفضل وسيلة لتعويض قيود العتاد، لا سيما مع الأجهزة فائقة النحافة التي يصعب دعمها ببطاريات كبيرة.
فما يُختبر هنا ليس فقط مدى صمود البطارية، بل قدرة النظام بأكمله على التكيف مع القيود الفيزيائية من دون التضحية بجوهر التجربة. وهذا ما يجعل من “الطاقة التكيفية” أكثر من مجرد تحسين تقني، إنها اختبار مبكر لمستقبل يُعاد فيه رسم العلاقة بين الذكاء، والأداء، والتصميم.
الذكاء الاصطناعي يَعد.. والتجربة هي الحَكم
رغم الوعود الكبيرة التي تحملها “الطاقة التكيفية”، فإن قيمتها الحقيقية لن تتضح إلا بعد أن تصل إلى أيدي المستخدمين. فالذكاء الاصطناعي وحده لا يكفي، ما لم يُترجم إلى تجربة يومية تحسّن الأداء، وتطيل عمر البطارية فعليا، لا نظريا.
ولا يمكن تجاهل السياق التسويقي الذي تتحرك فيه الشركات اليوم. إذ إن التصميمات فائقة النحافة، رغم جاذبيتها البصرية، قد تبدو للبعض مجرد حيلة دعائية. ومع ذلك، لا شك أنها تحظى بلحظتها الآن، في ظل سباق مستمر لإعادة اختراع الهاتف كمفهوم بصري وتجاري.
حتى ذلك الحين، تبقى ميزة “الطاقة التكيفية” خطوة طموحة في الاتجاه الصحيح، ومحاولة من آبل لإعادة تعريف حدود ما يمكن أن تقدمه البرمجيات، خاصة حين تصبح البطارية عبئا على التصميم. ومع اقتراب موعد إطلاق “آيفون 17 آير” المرتقب، ستصبح هذه الميزة تحت المجهر أكثر من أي وقت مضى. فإما أن تؤسس لتحول حقيقي في علاقة المستخدم بجهازه، أو تبقى فكرة واعدة لم تنضج بعد.
المصدر: الجزيرة