التجارة الرقمية حلبة صراع جديدة بين أوروبا وأميركا في 2026

بينما نجا قطاع التجارة الرقمية نسبيًا من الحروب التجارية التي هيمنت على العقد الماضي، تشير معطيات نهاية عام 2025 إلى أن هذا القطاع يتجه ليكون ساحة الصدام التالية بين أنصار الأسواق الحرة ودعاة الحمائية، مع تصاعد التوتر بين أميركا والاتحاد الأوروبي عن حرية التعبير ومفهوم “السيادة الرقمية”، وفق تحليل لوكالة بلومبيرغ.

وبحسب التحليل، فإن التحولات الجارية لا تعكس خلافًا تقنيًا عابرًا، بل نزاع بنيوي على من يضع قواعد الاقتصاد الرقمي العالمي، في وقت أصبحت فيه التجارة الرقمية من أسرع القطاعات نموًا وأكثرها تأثيرًا في ميزان القوة الاقتصادية عبر الأطلسي.

انتقال الخلاف من التنظيم إلى السياسة

ووفقًا لتحليل صادر عن بلومبيرغ إيكونوميكس، فإن قرار أميركا فرض قيود على منح التأشيرات لخمسة مواطنين من الاتحاد الأوروبي فتح “جبهة جديدة” في النزاع المتصاعد بشأن حرية التعبير والمشروعات الأوروبية للسيادة الرقمية.

The flags of the European Union and the United States of America waving in the wind. International ...
التجارة الرقمية أصبحت خط التماس الجديد في الحروب التجارية بين القوى الكبرى (شترستوك)

ويُعد أبرز المستهدفين بهذه القيود المفوض الأوروبي السابق تييري بريتون، أحد أبرز مهندسي “قانون الخدمات الرقمية” الأوروبي، والذي يُنظر إليه منذ سنوات بوصفه خصمًا مباشرًا لكبرى شركات التكنولوجيا الأميركية.

وتشير بلومبيرغ إلى أن استهداف شخصية بهذا الوزن السياسي والتنظيمي يعكس انتقال الخلاف من إطار تنظيمي وفني إلى مستوى سياسي مباشر، بما يرفع من احتمالات التصعيد المتبادل.

أكثر من 400 مليار دولار تحت الضغط

وبحسب مذكرة بحثية أعدها كريس كينيدي، كبير محللي “الدبلوماسية الاقتصادية” في بلومبيرغ إيكونوميكس، فإن هذا التصعيد “قد تكون له آثار واسعة النطاق على مفاوضات التجارة، وعلى أكثر من 400 مليار دولار من التجارة العابرة للأطلسي في الخدمات الرقمية”.

وتشمل هذه التجارة الخدمات المقدمة رقميًا بين أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، ولا سيما خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمنصات الرقمية، وخدمات المحتوى والإعلانات عبر الإنترنت.

إعلان

وتشير بلومبيرغ إلى أن أي تقييد متبادل أو تصعيد تنظيمي قد ينعكس مباشرة على تدفقات هذا النوع من التجارة، الذي يُعد الأسرع نموًا داخل قطاع الخدمات عالميًا.

ساحة الحرب التجارية القادمة

تُظهر بيانات منظمة التجارة العالمية أن التجارة الرقمية، بما تشمل التجارة الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والأعمال العابرة للحدود عبر الإنترنت، تمثل أسرع قطاعات تجارة الخدمات نموًا على مستوى العالم.

TURNBERRY, SCOTLAND - JULY 27: U.S. President Donald Trump and President of the European Commission Ursula von der Leyen shake hands as they announce a US-EU trade deal after a meeting at Trump Turnberry golf club on July 27, 2025 in Turnberry, Scotland. U.S. President Donald Trump is visiting his Trump Turnberry golf course, as well as Trump International Golf Links in Aberdeenshire, during a brief visit to Scotland from July 25 to 29. (Photo by Andrew Harnik/Getty Images)
مصافحة سياسية محمّلة بالرهانات، تجمع دونالد ترامب وأورسولا فون دير لاين في لحظة إعلان اتفاق تجاري يعكس توازنًا هشًا بين المصالح الأميركية والأوروبية (غيتي)

وبحسب بلومبيرغ، من المنتظر أن تكون القواعد العالمية لهذا النوع من التجارة محورًا أساسيًا للنقاش خلال الاجتماع الوزاري الرابع عشر لمنظمة التجارة العالمية، المقرر عقده في الكاميرون أواخر مارس/آذار المقبل، وهو ما يضع النزاع الأميركي-الأوروبي في قلب المفاوضات الدولية المقبلة.

صدام الرؤى والقوانين

ويأتي هذا التوتر في وقت تبنّى فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفًا أقرب إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، التي ترى أن الاتحاد الأوروبي يفرض عليها ضرائب وتنظيمات “تمييزية” تحد من قدرتها التنافسية.

في المقابل، يؤكد مسؤولون أوروبيون أن السياسات الرقمية للاتحاد تستند إلى “الحق السيادي في سن القوانين وحماية المستهلكين وضمان حرية التعبير ضمن أطر قانونية”، وليس إلى استهداف الشركات الأميركية تحديدًا.

ويكتب كينيدي في تقريره المنشور على منصة بلومبيرغ: “كانت التنظيمات الرقمية للاتحاد الأوروبي نقطة خلاف مع أميركا لسنوات، لكن الفجوة العابرة للأطلسي اتسعت لتتحول إلى هوة في ظل إدارة ترامب”، مضيفًا أن “رد الفعل الأوروبي الغاضب يعكس مدى مركزية مشروع السيادة الرقمية في الرؤية الأوروبية الحديثة، ما يرجّح تصعيدًا إضافيًا خلال عام 2026”.

 

المصدر: الجزيرة