أسير فلسطيني محرر: قيدوني 100 يوم وأوهموني أن عائلتي أبيدت

تعرض الأسير الفلسطيني المحرر شادي أبو سيدو لصنوف من التعذيب البدني والنفسي في سجون الاحتلال الإسرائيلي، كان أصعبها عندما أوهمه سجانوه، أن عائلته أبيدت بأكملها، وأنهم قتلوا جميع الصحفيين، وقال إنه فقد إدراكه للزمان والمكان بعد حرمانه من التواصل مع محاميه لأشهر عدة.

اعتقل أبو سيدو (35 عاما) في مدينة غزة في مارس/آذار 2024، أي بعد مرور 5 أشهر من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وكان قبل ذلك يعمل مصوّرا صحفيا.

احتجز أبو سيدو في معسكر سديه تيمان الواقع قرب الحدود الجنوبية مع قطاع غزة. وبُعَيد اندلاع الحرب، تحوّل المعسكر مركزا لاحتجاز الغزيين الذين باتوا يقتادون من القطاع قبل أن يوزعوا على السجون الإسرائيلية.

احتُجز أبو سيدو بموجب قانون “المقاتلين غير الشرعيين” الإسرائيلي، الذي يجيز اعتقال المشتبه بانتمائهم إلى “قوى معادية” لأشهر من دون توجيه أي تهم إليهم.

تعذيب نفسي

وروى أبو سيدو تعرضه لـ”تعذيب نفسي”، قائلا إنه كان يُواجَه باستمرار بادعاءات مفادها أن “أولادنا ونساءنا قُتلوا، ومنازلنا قُصفت”.

وأضاف في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية هاتفيا “بصراحة، صُدمت عندما رأيت أطفالي” بعد الإفراج عنه وعودته إلى غزة في 13 أكتوبر/تشرين الأول الفائت في إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل.

دخل وقف النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر/تشرين الأول، وشهد إطلاق حركة حماس 20 أسيرا إسرائيليا على قيد الحياة مقابل إفراج إسرائيل عن نحو ألفي أسير فلسطيني يقبعون في سجونها.

وقال أبو سيدو “تصوروا أن يمضي المرء 100 يوم من الخامسة صباحا حتى الحادية عشرة ليلا، جاثيا على ركبتيه مقيّد اليدين ومعصوب العينين وممنوعا من الكلام. لم أعد أعرف الوقت، وفي أيّ يوم نحن، وأجهل أيضا أين أنا”.

واستذكر الأسير المحرر تفاصيل جلسة تحقيق قاسية خضع لها وقال “بعد 100 يوم من التعذيب، أخذوني للتحقيق فقط للتأكد من هويتي. عذّبوني من دون أن يعرفوا من أكون”. ولفت إلى أنه أُصيب في إحدى عينيه وأذنه، ولا يستطيع العلاج في غزة بسبب انهيار المنظومة الصحية.

نُقل أبو سيدو لاحقا إلى سجن عوفر العسكري في الضفة الغربية المحتلة، حيث وصف ظروف الاعتقال بأنها “صعبة جدا جدا، لا يتصورها عقل”، وخلال اعتقاله، تمكن من مقابلة محاميه مرتين فقط، مؤكدا أن أي تهمة لم توجه إليه، وأن احتجازه كان “يُمدَّد تلقائيا” بدون أي تفسير.

ورفض جيش الاحتلال الإسرائيلي التعليق على قضيته، بحسب الوكالة الفرنسية.

“المقاتل غير الشرعي”

وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يُطلَق مصطلح “المقاتل غير الشرعي” على شخص “ينتمي إلى جماعة مسلحة في سياق لا يستوفي فيه هو أو الجماعة شروط الحصول على صفة مقاتل”.

وبرز هذا المصطلح للمرة الأولى في الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، حين استخدمته إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش لتبرير احتجاز مشتبه بممارستهم الإرهاب.

وفي إسرائيل، أُدرج هذا المفهوم ضمن القانون عام 2002، مما أتاح للسلطات احتجاز أفراد طوال أشهر من دون توجيه تهم إليهم. ولا يحصل على ضمانات قانونية تُمنح عادة للمعتقلين وأسرى الحرب.

الأسير الصحفي الفلسطيني المحرر شادي أبو سيدو.
الأسير المحرر شادي أبو سيدو أمضى 100 يوم جاثيا على ركبتيه مقيد اليدين ومعصوب العينين (الجزيرة)

وعمدت إسرائيل إلى تعديل القانون مع اندلاع الحرب على غزة، بحيث أصبح بالإمكان احتجاز الأفراد 45 يوما بدون إجراءات إدارية بعدما كانت مدة الاعتقال تقتصر على 96 ساعة، فضلا عن احتجازهم 75 يوما من دون أن يمثلوا لدى المحكمة (بدلا من 14 يوما)، مع إمكان التمديد إلى 180 يوما.

إعلان

وفي يوليو/تموز 2024، دعت منظمة العفو الدولية إلى إلغاء القانون، مؤكدة أنه يُستخدم “للاعتقال التعسفي للمدنيين الفلسطينيين من غزة واحتجازهم في فراغ قانوني فترات طويلة بدون تقديم أي دليل على أنهم يشكلون خطرا أمنيا”.

في المقابل، قالت مصلحة السجون الإسرائيلية إن جميع المعتقلين “يُحتجزون وفقا للإجراءات القانونية، وتُحترم حقوقهم بما في ذلك الحصول على الرعاية الطبية وظروف معيشية مناسبة”.

الصليب الأحمر ممنوع

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت إسرائيل أمرا يمنع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة مَن يُصنَّفون “مقاتلين غير شرعيين”، مما يُكرّس فعليا الوضع القائم منذ بداية الحرب على غزة، وقالت اللجنة إنه لم يُسمح لها بزيارة الأسرى الفلسطينيين منذ ذلك الحين.

وتُقدّر منظمات غير حكومية أن إسرائيل تحتجز نحو ألف شخص تصنفهم “مقاتلين غير شرعيين” في سجون عسكرية ومدنية.

وقال ناجي عباس من منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” إن “المحامي هو الصلة الوحيدة لهؤلاء الأسرى مع العالم الخارجي”، مشيرا إلى أن 18 طبيبا من غزة وعشرات العاملين في المجال الصحي ما زالوا معتقلين بدون تهم.

وأضاف “قد يستغرق الأمر شهورا للحصول على موعد للزيارة، وحتى عندما نتمكن من ذلك، فإن اللقاء لا يتجاوز غالبا نصف ساعة”.

وقدّمت منظمات غير حكومية عديدة التماسات إلى المحكمة العليا الإسرائيلية للسماح للصليب الأحمر بزيارة هؤلاء المعتقلين، لكن لم يُحدَّد بعد موعد للنظر في القضية.

 

المصدر: الجزيرة