“الاعتقال الرقمي”: ما قصة المرأة التي خسرت مئات الآلاف من الدولارات نتيجة عملية احتيال رقمي؟

بدأ كابوس أنجالي بمكالمة هاتفية كلّفتها 58.5 مليون روبية، أي ما يعادل 663.390 دولاراً أمريكياً.

وقد ادّعى المتصل أنه من شركة توصيل، وزعم أن جمارك مومباي صادرت طرداً كانت ترسله إلى بكين يحتوي على المخدرات.

أنجالي، المقيمة في غوروغرام، إحدى ضواحي العاصمة الهندية دلهي، وقعت ضحية عملية احتيال تسمى “الاعتقال الرقمي”، حيث انتحل محتالون صفة مسؤولي إنفاذ القانون عبر مكالمات فيديو وهددوها بالسجن المؤبد وإيذاء ابنها ما لم تطِعهم.

وعلى مدار خمسة أيامٍ مُروعة في سبتمبر/ أيلول الماضي، أبقوها تحت المراقبة على مدار الساعة عبر “سكايب”، وأرعبوها بالتهديدات، وأجبروها على تصفية مدخراتها وتحويل أموالها.

وتوضح أنجالي أن تتّبع مسار أموالها كشف عن إخفاقات في جميع مستويات البنوك الهندية الكبرى.

وقالت لبي بي سي إنها هرعت إلى فرع بنك “HDFC” الذي يوجد فيه حسابها المصرفي، وهو أكبر بنك مقرض خاص في الهند، في 4 سبتمبر/أيلول 2024، وهي في حالة ذعر وتحت مراقبة بالفيديو من قبل المحتالين، حيث حولت 28 مليون روبية في ذلك اليوم و30 مليوناً أخرى في اليوم التالي.

وتضيف أن البنك لم يرصد أي مؤشرات تحذيرية ولم يُصدر تنبيهات بشأن وجود معاملات غير طبيعية، رغم أن المبالغ التي كانت تُحوّلها كانت أكبر بمئتي مرة من نمط سحوباتها المعتاد.

وتتساءل عن سبب عدم تلقي حسابها أي اتصال من مدير تعاملاتها، ولماذا لم يُبلغ البنك عن هذه الخصومات الضخمة.

وفي رسالة بريد إلكتروني إلى أنجالي، اطلعت عليها بي بي سي، وصف بنك “HDFC” ادعاءاتها بأنها “لا أساس لها من الصحة”، وقال إنه تم إبلاغ البنك بحادثة الاحتيال بعد تأخر دام يومين أو ثلاثة أيام. وأضاف أن المعاملات أُقرت من قبل البنك بناءً على تعليماتها، لذا لا يمكن إلقاء اللوم على مسؤوليه.

وأغلقت أمينة المظالم المصرفية في الهند شكواها ضد بنك “HDFC”، مشيرةً إلى قاعدة صدرت عام 2017 تُحمّل عملاء مثل أنجالي الخسارة كاملةً إذا اعتُبر الاحتيال خطأً منهم.

ولم يُجب بنك HDFC على أسئلة بي بي سي.

وعندما التقينا بأنجالي، أطلعتنا على مخططٍ ضخم أعدته يبين كيفية انتقال أموالها من بنك إلى آخر.

وكشف تحقيق للشرطة حول مسار الأموال، أن حساب “السيد بيوش” كان بالكاد يحتوي على بضعة آلاف من الروبيات قبل عملية التحويل.

وتتساءل أنجالي عن سبب سماح بنك “ICICI” بإجراء تحويلات مالية متعددة إلى الحساب “في حين أن هذه الإيداعات الكبيرة المفاجئة كان من المفترض أن تُفعّل أنظمة مراقبة المعاملات الآلية بموجب التزامات أي بنك بمكافحة غسل الأموال”.

كما تتساءل كيف سمح البنك بتدفق سريع للأموال من حساب “السيد بيوش” دون تجميده مؤقتاً أو إجراء تحقق إضافي من هوية العميل.

وفي تصريح لبي بي سي، قال بنك “ICICI” بأنه اتبع جميع إجراءات “التحقق من هوية العميل” المقررة عند فتح الحساب، وأنه لم يُظهر أي نشاط مشبوه حتى انتهاء التحويلات محل النزاع. وأضاف أن “أي تلميح إلى أن البنك لم يُجرِ العناية الواجبة اللازمة لا أساس له من الصحة”.

وأكد البنك أنه جمّد الحساب فوراً بعد شكوى أنجالي، وساعدها في رفع دعوى لدى الشرطة وتعقب صاحب الحساب.

وأغلقت أمينة المظالم المصرفية شكواها أيضاً ضد بنك “ICICI”، قائلةً إن البنك التزم بقواعد “التحقق من هوية العميل” عند فتح حساب بيوش، وأنه لم يكن بإمكانه التنبؤ باستخدامه فيما وصفه بأنشطة احتيالية.

ووجدوا أن عناوين ثمانية من أصل أحد عشر شخصاً كانت وهمية، ولم يتسن تتبع أصحاب الحسابات.

كما لم تكن وثائق “التحقق من هوية العميل” الخاصة بهم متاحة لدى البنك. أمّا أصحاب الحسابات الثلاثة الباقون، فهم سائق عربة “توك توك”، وأرملة تعمل في الخياطة في بلدة صغيرة، ونجار.

ووجدت الشرطة أنه باستثناء حساب واحد، لم يكن أصحاب الحسابات على علم بالمبالغ الكبيرة المتدفقة في حساباتهم.

وفي مايو/ أيار، ألقت الشرطة القبض على المدير السابق للبنك التعاوني سامودرالا فينكاتيشوارالو، ولا يزال في السجن، حيث رفضت المحكمة طلب إخلاء سبيله بكفالة ثلاث مرات “نظراً لخطورة عمليات الاحتيال الإلكتروني وتداعياتها البعيدة المدى”.

ويقول تقرير الشرطة إن العديد من هذه الحسابات فُتحت بأمر من فينكاتيشوارالو نفسه، وكانت في الأساس حسابات وهمية، أي حسابات تُفتح بأسماء أشخاص آخرين ثم تُباع لمجرمين يديرونها لغسل الأموال.

ولم يُجب بنك فيدرال أو البنك التعاوني التابع له على الأسئلة المفصلة التي أرسلتها بي بي سي لهما.

بعد أكثر من عام على خسارة أموالها، تقدمت أنجالي وآخرون بعريضة إلى أعلى محكمة للمستهلكين في الهند في يناير/ كانون الثاني، والتي قبلت شكواهم بشأن “تقصير الخدمات” من جانب البنوك. ويتعين على البنوك الرد، مع تحديد جلسة استماع في نوفمبر/ تشرين الثاني.

ومع تزايد تعقيد عمليات الاحتيال هذه، تتزايد النقاشات حول العالم بشأن من يتحمل تكاليف الاحتيال المالي في نهاية المطاف، وما هي المسؤولية التي تتحملها البنوك والمؤسسات المالية والهيئات التنظيمية.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شددت المملكة المتحدة القواعد المتعلقة بمسؤولية مقدمي خدمات الدفع، وألزمتهم بسداد المبالغ المستحقة للعملاء، باستثناء أولئك الذين يقعون ضحية لبعض أنواع الاحتيال المالي.

وقال ماهيندرا ليماي، المحامي الذي يترافع في قضايا عشرات ضحايا الاعتقالات الرقمية، بمن فيهم أنجالي، لبي بي سي: “على البنوك واجب رعاية عملائها. إذا لاحظ أي بنك أي نشاط في حساب يتعارض مع أنماط معاملاته العامة، فعليه إيقاف هذه المعاملة”.

لكن حتى الآن، لم تتحقق أي مكاسب لأنجالي، فقد تمكنت بالكاد من استعادة 10 ملايين روبية من أصل 58 مليون روبية خسرتها بسبب الاحتيال. ويقول المحامي ليماي إن المعركة المقبلة ستكون طويلة على الأرجح.

ومما يزيد الأمر سوءاً، تقول أنجالي إنها تُجبر على دفع ضرائب على الأموال المسروقة منها.

وتُفرض ضريبة على الاستثمارات المُستردة على أرباح رأس المال، حتى في حال خسارتها لصالح المحتالين. وهي تُطالب الآن بالإعفاء من هذه الضريبة.

وتقول “حتى الآن، لا تعترف دائرة ضريبة الدخل بمثل هذه الجرائم، مما يزيد من المعاناة المالية للضحايا”.

*تم تغيير اسم الضحية الحقيقي لحماية هويتها.

 

المصدر: BBC