التغير المناخي: كيف يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة أعداد القوارض؟

أكّد علماء في دراسات حديثة أنّ عدد القوارض حول العالم يرتفع نتيجة تغير المناخ والاحتباس الحراري وما ينتج عنهما من فصول دافئة أطول من العادة.

وتُعرف هذه الحيوانات أصلاً بقدرتها العالية على التكاثر وإنجاب أعداد كبيرة في وقت قصير.

وقد يكون لزيادة عددها مع الوقت، تداعيات سلبية على مستقبل صحتنا وعلى توازن نظام الطبيعة.

واعتمد البشر منذ عقود بعيدة على وسائل مختلفة للتخلص من القوارض، لا سيما الجرذان والفئران، خاصة خلال تفشي أمراض وأوبئة على شاكلة الطاعون، لكنّ قدرة هذه الحيوانات على التكاثر سريعاً والتكيف مع الظروف البيئية، حالت دون إيجاد حلّ نهائي وحاسم.

ونشر موقع أورونيوز في يونيو/حزيران 2022 تحقيقاً عن زيادة عدد نوع من الفئران (الفأر ذو الأقدام البيضاء) في الولايات المتحدة.

كما كثرت الشكاوى حول زيادة عدد الفئران والجرذان في باريس مؤخراً، ونشرت العديد من مقاطع الفيديو خلال الألعاب الأولمبية على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت انتشاراً ملفتاً للجرذان، بعضها كبير الحجم.

لكن شهرة جرذان العاصمة الباريسية قديمة. وكتبت مجلة “لو باريسيان” في يونيو/حزيران 2020 عن مساهمة تغير المناخ في زيادة عددها وتغيير حجمها.

ويشير علماء إلى قدرة هذه الحيوانات العالية على التكيف مع التغيرات الجغرافية والمناخية.

لكنّ تغير المناخ ليس هو السبب الوحيد لتكاثر القوارض. إذ يقول الباحث المتخصص في الحياة البرّية شادي عنداري لبي بي سي نيوز عربي، إنّ النشاط البشري يساهم إلى حد كبير في هذه الاختلال.

ويشير عنداري الذي يملك خبرة سنوات من العمل في مجال رعاية الثدييات والطيور، إلى أنّ النشاط العمراني والزراعي البشري العشوائي، بالإضافة إلى قتل وصيد الحيوانات التي تشكّل القوارض غذاءً رئيسياً لها، يدفع أيضاً بزيادة أعداد الجرذان والفئران والقوارض الأخرى في الحقول الزراعية.

تتميز القوارض بأن دورة حياتها قصيرة لكنها نشطة جدا فيما يتعلق بالتكاثر، إذ يقدر عددها بالمليارات حول العالم.

تستطيع أنثى الجرذ إنجاب 6 إلى 12 من الجرذان الصغيرة ست مرات في السنة: أي أنّ الأنثى الواحدة قد تكون مسؤولة عن إنجاب عدد يتراوح بين 36 و72 جرذا كل عام.

تبدأ مرحلة الإنجاب عند الجرذان بعد ثلاثة أشهر على ولادتها.

وتستطيع أنثى الجرذ التزاوج بعد يومين على الإنجاب.

وتبلغ فترة الحمل عند الجرذان 21 يوماً.

تنحدر الفئران من نفس عائلة الجرذان لكنها أصغر حجما.

وتمتد فترة حمل أنثى الفأر من 19 إلى 21 يوماً. وتستطيع أن تنجب من 10 إلى 12 فأرا.

ويصل عدد المرات التي تحمل وتنجب فيها أنثى الفأر حتى 15 مرة كل عام.

كيف سيؤثر تكاثرها على حياتنا؟

الخطر الأكبر المتعلق بتكاثر القوارض وخاصة الفئران والجرذان، يطال أمننا الغذائي.

وعدم مكافحتها في الأماكن التي تنتج فيها مصادر الغذاء، يعني إلحاقها الضرر بالمحاصيل.

وبينما تشكّل هذه الثدييات الصغيرة ضرراً أقل على الغذاء في المدن، لأنها تتغذى بشكل عام على الفضلات. لكنها هذه الحيوانات شهيرة بنقل ونشر الأمراض والأوبئة، رغم أنّ مجلة “نايتشر إيكولوجي أند إيفولوشن” المتخصصة بالقضايا البيئية، نشرت تحقيقاً يرجّح أن القوارض التي تعيش في المدينة، قد لا تسبب بنقل أوبئة مميتة. وأنّ الطيور كالحمام تشكّل خطراً أكبر في ما يخصّ نقل ونشر الأمراض.

وتضرّ القوارض في بعض المدن بشبكة البنى التحتية، التي تشكل ملاذاً آمناً وممرّاً للتنقل وتدمير كل ما يعيق طريقها للبحث عن الطعام.

الإنسان ضدّ القوارض: حرب عمرها قرون

حاول البشر عبر طرق عدة القضاء على هذه الثدييات في المنازل والشوارع والحقول.

لكنّ هذه الوسائل، وفق ما ذكر شادي عنداري، قد تضرّ ليس فقط بالأرض والتربة، بل أيضاً بحيوانات برّية أخرى.

وهذا ما أكدّه موقع “الجوارح هي الحلّ” (raptors are the solution) في الولايات المتحدة، مشيراً إلى الضرر التي تسببه هذه المواد على حياة الطيور.

واعتمد الإنسان على القطط الأليفة التي أظهرت فعالية حتى يومنا هذا في العديد من التجارب. ويُنسب للقطط دور مهمّ في إنقاذ مدن أوروبية مثل البندقية من الطاعون بسبب قتلها للجرذان في القرن الرابع عشر.

ويُقال إنّ المرسوم الكنسي الذي صدر عن البابا غريغوري التاسع في تلك المرحلة، والذي اعتبر أنّ القطط مخلوقات شيطانية ودعا إلى قتلها وإبعادها، ساهم في انتشار المزيد من الجرذان والفئران وبالتالي مرض الطاعون.

لكنّ هناك تجارب أخرى، تعتمد على الطبيعة في التخلص من القوارض، ويعني ذلك الاعتماد على ثدييات وطيور برّية تصطاد القوارض.

أعداء القوارض، أصدقاء المزارع

انطلق المتخصص بالحياة البرّية شادي عنداري من واقع تأثير تغير المناخ من جهة، وتأثير النشاط البشري السلبي من جهة أخرى، للتفكير بمشروع طويل المدى، هدفه حماية أنواع الطيور والثدييات المقيمة والمفترسة للقوارض في المناطق المحيطة بمحمية غابة أرز تنورين الطبيعية (شمال لبنان).

يقول عنداري إنّ الصيد العشوائي والمعتقدات الخاطئة ساهما في قتل الطيور الجارحة والأفاعي التي تساهم في خفض عدد القوارض وبالتالي إلى حماية المحاصيل الزراعية.

 

المصدر: BBC