في أواخر سبعينيات القرن العشرين، كان العلماء في شركة إكسون، (إكسون موبيل الآن، وهي شركة أمريكية متعددة الجنسيات تعمل في مجال النفط والغاز)، يجرون أبحاثاً توصلت إلى حقيقةٍ مفادها أن حرق الوقود الأحفوري على وشك تغيير مناخ الأرض بشكل كبير.
وتوقّعت هذه الأبحاث المبكرة ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، وتمكّنت من التنبؤ بدقّة بمستويات ثاني أوكسيد الكربون التي نشهدها اليوم.
مع ذلك، وبحلول أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وعندما بدأ العالم ينتبه إلى حقائق تغيّر المناخ، وقفت إكسون على مفترق طرق: إما أن تكشف عن الحقيقة التي تعرفها بناءً على النتائج التي توصّلت إليها، إما أن تسلك مساراً آخر هو مسار التعتيم، وقد اختارت الشركة بوضوح المسار الثاني.
خلال التسعينيات وأوائل الألفية، صرفت إكسون موبيل ملايين الدولارات على مراكز الأبحاث وجماعات الضغط التي قللّت من مخاطر تغيّر المناخ، مشكّكةً في العلوم التي اكتشفها باحثوها نفسهم. قررت الشركة إذاً أن تسلك طريق “صناعة الشكّ”.
ويُعتبر سلوك قطاع الدخان الأمريكي في حينه مثالاً نموذجياً على ما أطلق عليه في أواخر القرن الماضي، اسم “الأغنوتولوجيا” Agnotology الذي أصبح فرعاً من فروع علم اجتماع المعرفة والذي يدرس الطرق التي يتم بها خلق الشك أو الجهل حول مواضيع معينة.
“انقسام هويتاتيّ”
تجدر الإشارة إلى الفرق بين المعلومات الخاطئة (misinformation) والمعلومات المضلّلة (Disinformation). الأولى هي عندما يشارك الناس معلومات خاطئة أو يقدمون بيانات بشكل انتقائي عن انبعاثات الوقود الأحفوري مثلاً أو تغيّر المناخ بطريقة لا تعطي الصورة الكاملة، ما قد يؤثر على طريقة تفكير الآخرين حول القضية. وليس بالضرورة أن يكون ذلك متعمداً، إذ أن بعض هذه المعلومات قد تكون نتيجة خطأ أو سوء فهم لموضوع معقّد.
أما المعلومات المضلّلة فهي عندما يقوم منكرو المناخ أو مجموعات أو منظمات رسمية بنشر معلومات خاطئة عمداً أو نشر الأكاذيب لخدمة أجندتهم الخاصة ضد علم المناخ والسياسات التي تهدف إلى معالجة الأمر.
وقد تم اتهام شركات الوقود الأحفوري الكبرى مثل شل وإكسون موبيل وغيرها، وكذلك “الائتلاف العالمي للمناخ”، وهي مجموعة واجهة للشركات التي لها صلات بصناعة الوقود الأحفوري والتي تم حلها في عام 2002، بالعمل على “تشويه سمعة علم المناخ” أو إخفاء استثماراتهم المستمرة في الوقود الأحفوري من خلال الضغط السياسي والإعلانات منذ أواخر السبعينات – أو ما يعرف باسم “الغسل الأخضر”. )يشير مصطلح “الغسل الأخضر” إلى الممارسة التي تقوم بها شركة أو منظمة لتعطي انطباعاً كاذباً أو مضللاً عن مسؤوليتها البيئية، عادة من خلال التسويق أو الإعلان. ويتضمن ذلك تقديم ادعاءات سطحية أو مبالغ فيها حول الاستدامة أو صداقة البيئة أو الفوائد البيئية لمنتج أو خدمة أو ممارسات تجارية، دون أن يكون لها تأثير إيجابي حقيقي وكبير على البيئة(.
ولا تؤخّر المعلومات الخاطئة والمضلّلة من اتخاذ الإجراءات الفعّالة فحسب، بل تعمّق أيضاً الانقسامات الاجتماعية وتعزّز ما بات يُعرف باسم “الحروب الثقافية” أو المعرفية، ما يجعل من الصعب بناء استجابة واسعة وموحّدة للتعامل مع هذه الأزمة.
ما هي أبرز 5 معلومات خاطئة/ مضلّلة حول التغير المناخي؟
في ما يلي بعض من الخرافات الشائعة منذ سنوات حول التغيّر المناخي مع تفنيدها:
هل يميل الأشخاص إلى تصديق المعلومات المضلّلة؟
بعكس ما يظن كثيرون منّا، لا يعتقد ألبير مخيبر أن الناس يميلون إلى تصديق المعلومات المضلّلة. يقول إن “الأغلبية اليوم لا تنكر التغيّر المناخي، لكن المشكلة تكمن في ما يُسمى بالفجوة بين النيّة والفعل. الكثير من الناس يقولون إن البيئة مسألة مهمة جداً، لكن بعد ذلك لا يقومون بأيّ فعل، ولا يرغبون في تغيير عاداتهم الخاصة. فعلى سبيل المثال، من يخطط للسفر إلى البرازيل في الغالب لن يغيّر قراره بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري”.
ويضيف أن “هناك أيضاً عوامل نظامية، مثل أنني لا أريد أن أتناول اللحوم، ولكن في منطقتي في باريس هناك مطعم ماكدونالدز كل خمسة أمتار، لذا من الصعب أن أغيّر ذلك، وهذا ما يُسمى بالاختيار التلقائي”.
وبعكس ما هو شائع، يؤكد مخيبر أن علم الأعصاب “لا يقدّم لنا الكثير من القصص لتبرير كوننا لا نفعل شيئاً ونتهرّب من تحمّل المسؤولية”.
ويضيف “اليوم، نرى طرقاً أخرى لانتشار المعلومات المضللة. هناك مثلاً من يقولون إن التغير المناخي صحيح، لكنه ليس من صنع الإنسان، بل هو جزء من الدورات الطبيعية للأرض، وهناك من يقولون إنه صحيح، لكن التكنولوجيا ستنقذنا. والموقفان سيّئان”، برأي مخيبر.