الجزيرة تحلل ومضات آيفون الغامضة: هل فعلا يتم تصوير المستخدم دون علمه؟

أعاد مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي إشعال الجدل حول الخصوصية في هواتف آيفون، بعد أن أظهر ومضات ضوئية تصدر من الهاتف، مع الحديث عن احتمالة أن تكون هذه الومضات  دليل على أن الجهاز “يلتقط صورة للمستخدم كل 30 ثانية دون علمه”.

ومع أن هذه الادعاءات التي انتشرت ليست جديدة وتم الرد عليها فإنها تكررت مؤخرا على نطاق واسع بسبب فرضية أنها قد تسبب بمقتل أشخاص ذوي مهن أمنية، مما دفع الجزيرة نت إلى التحقق منها عمليا قبل الانتقال إلى تفسيرها تقنيا والاستشهاد بالمصادر.

تجربة الجزيرة: هل هو فلاش أم ومضات؟

في إطار التحقق، أجرت الجزيرة نت اختبارا عمليا لرصد هذه الومضات باستخدام تطبيق على متجر آبل يسمى “آي آر ديتكتور-فايند هدن كامير” (IR Detector-Find Hidden Camera)، وهو تطبيق مخصص أساسا لكشف الكاميرات الخفية في الفنادق وغرف الإقامة والأماكن العامة، عبر رصد مصادر الأشعة تحت الحمراء (IR) غير المرئية للعين البشرية.

يعتمد التطبيق على استغلال حساسية كاميرا الهاتف لعرض أي إشعاع تحت الأحمر في المشهد، وهي تقنية تُستخدم عادة للكشف عن عدسات كاميرات المراقبة المخفية التي تبعث ضوءا لا يمكن رؤيته مباشرة.

في التجربة، جرى تفعيل وضعية كشف الأشعة تحت الحمراء داخل التطبيق، ثم توجيه الهاتف نحو جهاز آيفون آخر أثناء الاستخدام الطبيعي. عندها ظهرت الومضات بوضوح على شاشة التطبيق، على شكل نقاط وإشارات ضوئية متقطعة، لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة دون هذه الأداة، خصوصا عند محاولة إغلاق أو فتح التطبيقات.

صورة تطبيق hidden camera detector apple store
تطبيق “آي آر ديتكتور-فايند هدن كامير” مخصص أساسا لكشف الكاميرات الخفية (متجر غوغل)

وأظهرت نتيجة الاختبار أن ما يظهر ليس ضوء فلاش تقليدي، ولا مؤشرا على التقاط صورة مخفية أو تخزينها، بل إشعاع بالأشعة تحت الحمراء يمكن للتطبيق رصده وعرضه بصريا، مما يؤكد أن الومضات ظاهرة تقنية قابلة للرصد، لكنها لا تعني بالضرورة عملية تصوير.

إعلان

الضوء الذي ظهر في التجربة والمقاطع المتداولة ليس ضوءا عاديا، ولا يصدر عن الكاميرا التقليدية للهاتف، بل هو ضوء بالأشعة تحت الحمراء لا تستطيع العين البشرية رؤيته. ولا يظهر هذا الضوء إلا عند استخدام كاميرات أو تطبيقات قادرة على التقاط هذا الطيف، مثل كاميرات المراقبة الليلية أو أدوات كشف الأشعة تحت الحمراء.

ما الذي يفعله آيفون فعليا؟

تعتمد هواتف آيفون الحديثة على نظام “ترو ديبث” (TrueDepth) المستخدم في ميزة التحقق من الوجه (Face ID) وخصائص “الانتباه الواعي”.

وآلية عمل هذا النظام تحدث عبر إسقاط آلاف النقاط غير المرئية على وجه المستخدم، ثم تحليل انعكاسها لبناء نموذج رياضي ثلاثي الأبعاد للوجه يُستخدم للتحقق من الهوية، وليس لالتقاط صورة تقليدية تُحفظ داخل الهاتف.

وبذلك، لا “يُصوِّر” الهاتف الوجه كما تفعل الكاميرا العادية، بل يقيسه ويحلله رياضيا، وهي عملية قد تتكرر تلقائيا طالما كانت هذه الميزات مفعّلة وكان الهاتف موجَّها نحو المستخدم.

لكن لماذا تظهر هذه الومضات بشكل متكرر؟

تكرار الومضات لا يرتبط بتوقيت سري ثابت (مثل كل 30 ثانية)، بل يتأثر بعدة عوامل، أبرزها:

  • تفعيل ميزة التحقق من الوجه وميزات الانتباه.
  • توجيه الهاتف نحو الوجه لفترة.
  • تفاعل المستخدم مع الجهاز أو محاولة فتحه أو فتح تطبيقات معينة.

وفي بعض الحالات، قد يظهر هذا النشاط كل بضع ثوانٍ، لكن لا ينتج عنه حفظ صور ولا إرسال بيانات مرئية إلى أي جهة خارجية.

ماذا عن الخصوصية والتسبب في حوادث أمنية؟

بحسب التوضيحات الرسمية والتحليلات المستقلة فإن بيانات التحقق من الوجه تُحوَّل إلى معلومات مشفّرة وتُخزَّن محليا داخل الجهاز فقط ولا تُرفع هذه البيانات إلى السحابة، ولا يمكن للتطبيقات الوصول إليها.

كما أن أي تطبيق يستخدم الكاميرا العادية يحتاج إلى إذن صريح من المستخدم، ويُظهر النظام مؤشرا مرئيا عند التشغيل.

وقد أكدت آبل عبر منشورات في مدونتها أن نظام التحقق من الوجوه صُمّم ليعمل داخل الهاتف نفسه، دون مشاركة الصور أو البيانات البيومترية مع خوادم الشركة.

ولكن كان هناك اعتراض من فئة ظهرت في الفيديوهات لديها أعمال خاصة مرتبطة بالأمن من أن وجود هذه الخاصية قد يؤدي إلى فقدان العديد من الجنود حياتهم بسبب كشف مواقعهم، فهذه الومضات يمكن تمييزها ورؤيتها في الظلام من مسافات بعيدة.

هل يمكن إيقاف هذه الومضات؟

يمكن للمستخدم تعطيل هذا السلوك عبر الذهاب للإعدادات والدخول على خاصية التحقق من الوجه وإدخال رمز الدخول ثم إيقاف خاصية التحقق من الوجه أو ميزات “الانتباه الواعي”. لكن ذلك يعني التخلي عن فتح القفل بالوجه وبعض وظائف الأمان والراحة التي يعتمد عليها الهاتف.

الاختبار العملي الذي أجرته الجزيرة نت يبيّن أن الومضات التي أثارت الجدل موجودة فعليا ويمكن رصدها، لكنها ليست دليلا على تجسس أو تصوير خفي، بل أثر جانبي مرئي لتقنيات الاستشعار بالأشعة تحت الحمراء عند استخدام أدوات قادرة على كشفها.

أما الادعاء بأن آيفون يلتقط صورا للمستخدم كل 30 ثانية في الخفاء، فلا يستند إلى دليل تقني موثوق، ويقع ضمن دائرة سوء فهم التكنولوجيا أكثر من كونه حقيقة مثبتة.

 

المصدر: الجزيرة