يتزايد استخدام الذكاء الاصطناعي بسرعة هائلة، لكنه في ذات الوقت يعتبر تقنية متعطشة للمياه، إذ يحتاج إليها في عمليات التبريد وتوليد كميات هائلة من الكهرباء.
ووفقاً للأمم المتحدة، يعاني نصف سكان العالم من ندرة المياه، ومن المتوقع أن تتفاقم هذه المشكلة بسبب الطلب المتزايد على الماء وتغيرات المناخ. فهل سيزيد التوسع السريع للذكاء الاصطناعي، من سوء وضع إمدادات المياه أيضاً؟
ما كمية المياه التي يستهلكها الذكاء الاصطناعي؟
يقول سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أي آي، إن كل استفسار على منصة تشات جي بي تي يستهلك خُمس ملعقة صغيرة من الماء.
تتم معالجة الأنشطة عبر الإنترنت، من رسائل البريد الإلكتروني والبث المباشر إلى إنشاء المقالات أو صناعة مقاطع الفيديو، بواسطة رفوف ضخمة من خوادم الكمبيوتر في منشآت ضخمة تُسمى مراكز البيانات – بعضها يصل حجمه إلى حجم عدة ملاعب كرة قدم.
وترتفع درجة حرارة هذه الخوادم مع سريان الكهرباء عبر الحواسيب.
وتتطلب مهام الذكاء الاصطناعي قوة حوسبة أكبر بكثير من المهام التقليدية عبر الإنترنت، مثل التسوق أو البحث على الإنترنت – وخاصةً للأنشطة المعقدة مثل إنشاء الصور أو مقاطع الفيديو. لذا، فإنها تستهلك المزيد من الكهرباء.
ويصعب تحديد الفرق كمياً، لكن تقديراً لوكالة الطاقة الدولية (IEA) يشير إلى أن سؤالاً او استفساراً واحداً على منصة تشات جي بي تي، يستهلك ما يقرب من عشرة أضعاف كمية الكهرباء التي يستهلكها سؤال او استفسار بحثي واحد على غوغل.
وزيادة الكهرباء تعني المزيد من الحرارة – لذا هناك حاجة إلى المزيد من التبريد.
ما مدى سرعة نمو استخدام المياه في الذكاء الاصطناعي؟
ولا تُقدم شركات تقنيات الذكاء الاصطناعي الكبرى أرقاماً عن استخدام المياه في أنشطتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي، إلا أن إجمالي استخدامها للمياه يرتفع تدريجياً.
وشهدت كل من غوغل وميتا ومايكروسوفت – وهي شركات مستثمرة رئيسية ومساهمة في شركة أوبن أي آي – زيادات كبيرة في استخدام المياه منذ عام 2020، وفقاً لتقاريرها البيئية.
وقد تضاعف استخدام غوغل للمياه تقريباً خلال تلك الفترة، أما خدمات أمازون ويب (AWS) فلم تُقدم أي أرقام.
وتقول غوغل إن مراكز بياناتها سحبت 37 مليار لتر من المياه من مصادرها في عام 2024، “استُهلك” منها 29 مليار لتر – وهو ما يُشير إلى حد كبير إلى تبخر تلك المياه.
لكن، هل هذا كثير؟ الإجابة تعتمد على الشيء الذي ما تُقارن به.
فهذه الكمية ستوفر الحد الأدنى اليومي من المياه للبشر، الموصى به من الأمم المتحدة، وهو 50 لتراً يومياً، لـ 1.6 مليون شخص لمدة عام كامل – أو بحسب غوغل، يمكن استخدامها لريّ 51 ملعب غولف في جنوب غرب الولايات المتحدة لمدة عام.
تصدرت المعارضة المحلية لوجود مراكز البيانات عناوين الصحف في السنوات الأخيرة في بعض المناطق المعرضة للجفاف في العالم، بما في ذلك أوروبا وأمريكا اللاتينية وولايات أمريكية مثل أريزونا.
وفي إسبانيا، شُكّلت مجموعة بيئية تُدعى “سحابتك تجفف نهري” لمكافحة توسع مراكز البيانات.
وفي تشيلي وأوروغواي، المتضررتين من الجفاف الشديد، أوقفت غوغل خططها لبناء مراكز بيانات وعدلت بعضها بعد احتجاجات حول صعوبات الوصول إلى المياه.
ويقول أبيجيت دوبي، الرئيس التنفيذي لشركة إن تي تي داتا NTT Data، التي تُدير أكثر من 150 مركز بيانات حول العالم، إن هناك “اهتماماً متزايداً” ببناء مراكز في المناطق الحارة والجافة.
ويشير الخبراء أيضاً إلى أن الرطوبة تزيد من التآكل، ما يعني الحاجة إلى طاقة أكبر للتبريد، وهو سبب يزيد من فوائد بناء مراكز البيانات في المناطق الجافة.
وتؤكد كل من غوغل ومايكروسوفت وميتا في تقاريرها البيئية أنها تستخدم المياه في المناطق الجافة أيضاً.
ووفقًا لأحدث التقارير البيئية للشركات، تُشير غوغل إلى أن 14 في المئة من المياه التي تسحبها تأتي من مناطق معرضة بشكل كبير لخطر ندرة المياه، و14 في المئة أخرى من مناطق نسبة الخطر فيها “متوسطة”، بينما تُشير مايكروسوفت إلى أنها تسحب 46 في المئة من مياهها من مناطق “تعاني من إجهاد مائي”، وتُشير ميتا إلى أنها تسحب 26 في المئة من مياهها من مناطق ذات إجهاد مائي “عالي” أو “عالي جداً”. بينما لم تكشف أمازون ويب أي أرقام.
يُمكن استخدام أنظمة التبريد الجاف أو الهوائي، ولكنها عادةً ما تستهلك كهرباءً أكثر من الأنظمة القائمة على الماء، كما يقول البروفيسور رين.
وتُشير مايكروسوفت وميتا وأمازون إلى أنها تُطور أنظمة “حلقة مغلقة” تعمل على تدوير الماء – أو أي سائل آخر – دون تبخيره أو استبداله.
ويعتقد دوبي أنه من المُرجح أن تكون هذه الأنظمة مطلوبة على نطاق واسع في المناطق الجافة في المستقبل، لكنه يُشير إلى أن النظام لا يزال في مرحلة “مبكرة جدًا” على اعتماده.
وهناك مشاريع جارية أو تمّ التخطيط لها لاستخدام الحرارة من مراكز البيانات في المنازل في دول مثل ألمانيا وفنلندا والدنمارك.
ويقول الخبراء إن الشركات تُفضل عادةً استخدام المياه النظيفة والعذبة – مثل تلك المستخدمة للشرب – لأنها تُقلل من خطر نمو البكتيريا والانسدادات والتآكل.
ومع ذلك، تعتمد بعض الشركات على مصادر مياه غير صالحة للشرب مثل مياه البحر أو مياه الصرف الصناعي للتبريد.