يظهر الغضب بوضوح على وجه فاطمة بينما تُمسك بطفلها ذي العامين، والذي يعاني حروقاً وتشوهات جلدية في وجهه وساقَيه.
فاطمة (اسم مستعار) تبلغ من العمر 32 عاماً، وتستخدم منتجات لتفتيح لون البشرة مع أبنائها الستة، في ظلّ ضغوط عائلية، ولكن النتيجة مؤلمة بالنسبة لها.
إحدى بنات فاطمة تغطّي وجهها عندما تخرج إلى الناس، لتخفي ما أصابها من حروق والتهابات.
ابنة أخرى من بنات فاطمة أصبح لون بشرتها بعد استخدام تلك المنتجات أكثر دُكنة من ذي قبل، مع ظهور دائرة باهتة حول عينيها. فيما تعاني ابنة ثالثة من ظهور بُقع بيضاء على شفتيها ورُكبتيها.
وقد تحتوي المَراهم على مادة الكورتيكوستيرويد أو الهيدروكوينون، والتي يمكن أن تصبح ضارة إذا استُخدمت بكميات كبيرة، وفي بلاد عديدة لا يمكن الحصول على هذه المادة إلا عبر وصفة طبيب.
وقد تتضمن بعض وصفات تفتيح البشرة الأخرى، مادة الزئبق السامة، وحمض الكوجيك – وهو ناتج ثانوي يُستخدَم في صناعة شراب الساكي الكحولي الياباني.
وفي بعض الحالات قد تصبح طبقة الجلد أرق مما كانت عليه، ما يجعل الجروح تستغرق وقتاً أطول لكي تشفى، كما يصبح الجلد أكثر عُرضة للإصابة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وتدهور الوضع بشدّة في نيجيريا، ما دفع الوكالة الوطنية لإدارة ومراقبة الأغذية والعقاقير في البلاد إلى إعلان حالة الطوارئ في 2023.
وأصبح شائعاً كذلك، أن تستخدم الأمهات المَراهِم مع أبنائهن لتفتيح بشرتهم، كما فعلت فاطمة.
زينب بشير ياو، هي صاحبة مركز للعناية بالبشرة في العاصمة النيجيرية أبوجا، تقول إنّ الناس يلجأون إلى ذلك لأن لون البشرة الفاتح مرتبط في الأذهان بالثراء وبالمكانة الاجتماعية الراقية.
وتشير إلى أن عدداً من هؤلاء النساء كُنّ قد خضعن في طفولتهن لمحاولات تفتيح البشرة، ومن ثمّ يواصلن هذه العادة مع أبنائهن.
ومن أسهل الطرق للتعرف على ما إذا كان شخص يستخدم منتجات تفتيح البشرة في نيجيريا، البحثُ عن عُقد أصابع اليدين لهذا الشخص؛ ذلك أن عُقد الأصابع تحتفظ بلونها الداكن فيما تتفتّح البشرة في أجزاء أخرى من الجسم.
أيضاً، المدخّنون ومدمنو المخدرات، تظهر أحيانا بُقع داكنة على جلود أيديهم، بسبب التدخين. وعليه، فإن مستخدمي منتجات تفتيح البشرة أحياناً يُصنّفون بالخطأ على أنهم مدخنون أو مدمنو مخدرات.
تحكي فاطمة ما حدث لاثنتين من بناتها، إحداهما في الـ 16 والأخرى في الـ 14 من العمر.
وقد خسرت كلتاهما خُطّاباً محتملين؛ ذلك أن الرجال لا يرحّبون بالارتباط بنساء مشتبهٍ بإدمانهنّ المخدرات.
وفي ولاية كانو شمالي نيجيريا، توجد سوق شعبية، بها العديد ممن يقومون بخلط المواد الكيميائية لصناعة مَراهم تفتيح البشرة.
ويجد زائر هذه السوق صَفاً كاملاً من المحالّ التجارية، حيث توجد الآلاف من مَراهم تفتيح البشرة معروضة للبيع. وبعضها مخلوط بالفعل وجاهز للاستخدام، بينما البعض الآخر يحتاج إلى التركيب أمام أعين الزبائن الذين يجمعون عناصر الخلطة بأنفسهم.
لكن بائعين آخرين للمَراهم يعترفون باستخدام مكونات مثل حمض الكوجيك والهيدروكوينون والغلوتاتيون -مضاد الأكسدة القوي، ما يمكن أن يتسبب في حدوث طفح جلدي وغيره من الآثار الجانبية.
كما أنّ هناك فتيات في سنّ المراهقة يشترين مراهم تفتيح البشرة لأنفسهن بكميّات كبيرة بحيث يمكن لهنّ البيع منها لمعارفهن.
وتقول هذه السيدة: “رغم أنّ يَديّ قد تشوّهتا، إلا أنني هنا لشراء مَراهم من أجل أطفالي لتفتيح لون بشرتهم. وأظنّ أن يديّ تشوّهتا على هذا النحو لأنني استخدمتُ مَرهماً غير مناسب. لكنْ لن يحدث شيء لأطفالي”.
ويقول أحد باعة المَراهم إنّ معظم الزبائن يشترون المراهم لكي يجعلوا أبناءهم “يلمعون” أو لكي يبدو هؤلاء الأطفال “مُشرقين”.
ولا يعرف كثيرون من هؤلاء الباعة ما هي المقادير المناسبة بالضبط. ويقول أحدهم إنه يضع “كمية كبيرة من حمض الكوجيك” عندما يرغب الزبون في لون بشرة فاتح، بينما يضع “مقدار ملعقة شاي صغيرة” عندما يرغب الزبون في لون بشرة أقل فَتَحاناً.
وهكذا، “تُستخدم الملاعق كمعايير للقياس”، بحسب أحد باعة المَراهم.
أما عن النسبة المعتمَدة لحمض الكوجيك في المَراهم بنيجيريا فهي 1 في المئة، طبقا للوكالة الوطنية لإدارة ومراقبة الأغذية والعقاقير.
فضلاً عن ذلك، هناك باعة يحقنون النساء.
ليونارد أوموكباريولا، يعمل مديراً في الوكالة الوطنية لإدارة ومراقبة الأغذية والعقاقير، قال إنه كانت هناك محاولات لتوعية الناس بشأن المخاطر الناجمة عن استخدام مَراهم تفتيح البشرة.
وأضاف ليونارد بأن الأسواق تتعرّض لحملات تفتيشية، فضلاً عن محاولات لمنع دخول مكونات مَراهم التفتيح إلى نيجيريا عبر الحدود.
لكنه نوّه إلى صعوبة تمييز هذه المواد من جانب المسؤولين عن إنفاذ القانون، قائلاً إنّ “بعض هذه المواد يُنقل في حاويات غير موسومة، مما يصعّب التعرّف عليها ما لم تؤخذ للفحص في معامل”.
أما فاطمة، والدة الأبناء الستة، فتقول إن أفعالها ستظلّ تلاحقها للأبد، خصوصاً إذا لم تختفي ندوب أبنائها.
وتصرّ فاطمة على مساعدة الآباء الآخرين لكيلا يرتكبوا الخطأ نفسه، قائلة: “رغم أنني توقفت … لا تزال الآثار الجانبية موجودة… أرجو من الآباء الآخرين أن يعتبروا من قصتي مع أبنائي”.