بغداد: قصة مدينة عربية بُنيت لتكون عاصمة إمبراطورية كبرى

يحتفل العراق في 15 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، بيوم تأسيس بغداد قبل نحو 1262 عاماً على يد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وذلك في عام 762 للميلاد (145 هجرية) لتكون عاصمة الخلافة العباسية، وقد استغرق بناء هذه المدينة 4 سنوات.

فما هي قصة بغداد؟

تقول دائرة المعارف البريطانية إنّ الأدلة الأثرية تشير إلى أن موقع بغداد كان مأهولاً من قبل شعوب مختلفة قبل فترة طويلة من دخول العرب بلاد ما بين النهرين في سنة 637 ميلادية، وكانت للعديد من الإمبراطوريات القديمة عواصم تقع في الجوار.

وانعكس مجد بغداد في هذه الفترة في قصص ألف ليلة وليلة. ثمّ اعتبرت أغنى مدينة في العالم، وكانت مكتظة بسفن قادمة من الصين والهند وشرق إفريقيا.

وبعد توليه، شجع الخليفة المأمون (813-833) ترجمة الأعمال اليونانية القديمة إلى العربية، وأسس المستشفيات والمرصد، وجذب الشعراء والحرفيين إلى عاصمته.

ومنذ منتصف القرن التاسع وما بعده، ضعفت الخلافة العباسية تدريجاً بسبب الصراع الداخلي، والفشل الزراعي الناجم عن إهمال نظام الرّي.

وبين عامي 836 و 892 هجر الخلفاء بغداد إلى سامراء في الشمال، واستولى على المدينة الأتراك المشاغبون الذين تمّ جلبهم كحراس شخصيين.

وقد أدت الغزوات والحكم من قبل العناصر الغريبة (السلالة البويهية من 945 إلى 1055 وسلالة السلاجقة التركية بين عامي 1055 و 1152) إلى تحوّل أجزاء من المدينة إلى خراب.

قرون من التدهور

كان هذا الانحدار الطويل والبطيء مجرّد مقدمة للهجمات المدمرة التي لم تتعافَ منها بغداد حتى القرن العشرين.

فقد استمرت الخلافة العباسية نحو خمسة قرون، قبل أن تنتهي نهاية مروعة على أيدي المغول.

فقد اجتاح هولاكو، حفيد الفاتح المغولي جنكيز خان، في عام 1258 ميلادية، بلاد ما بين النهرين ونهب بغداد وقتل مئات الآلاف من السكان.

أمّا عن المستعصم بالله، آخر الخلفاء العباسيين، فقد قام المغول بلفه في سجادة، وداسوه بحوافر خيولهم حتى الموت.

ومن الغريب أنّ ذلك كان علامة على الاحترام، حيث كان المغول يعتقدون أنّ الأشخاص ذوي المقام الرفيع يجب أن يقتلوا دون أن تسيل دماؤهم.

ولم يكن هؤلاء الخلفاء أكثر من حلية في تاج دولة المماليك في مصر، لكن بوجود هؤلاء الخلفاء حافظوا على فكرة الخليفة، الذي يمكن أن يتوحّد خلفه كل المسلمين.

ولذلك فقد ظلّ لقب الخليفة موجوداً، حتى ظهرت إمبراطورية إسلامية جديدة حازت عليه.

وفي عام 1924، ألغيت الخلافة الإسلامية على أيدي مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس دولة تركيا الحديثة.

الحكم العثماني

بعد سقوطها في يد المغول، باتت بغداد عاصمة إقليمية، أولاً لأباطرة المغول في إيران من سلالة الخانيد (1258-1339)، ثمّ أتباعهم الجلايريين (1339-1410).

في عام 1401، تعرضت المدينة لعملية نهب من قبل تيمورلنك، وبعد ذلك سقطت تحت سيطرة سلالتين تركمانيتين متتاليتين، هما أك كويونلو وكارا كويونلو (1410-1508)، وكلاهما لم يفعل الكثير لاستعادة مكانتها .

وفي عام 1508، أدمجت بغداد مؤقتاً في الإمبراطورية الفارسية الجديدة التي أنشأها الشاه إسماعيل الأول من سلالة الصفويين.

وفي عام 1534، استولت الإمبراطورية العثمانية السنية في عهد السلطان سليمان الأول على المدينة.

ورغم الهجمات الفارسية المتكررة، ظلّت بغداد تحت الحكم العثماني حتى الحرب العالمية الأولى، باستثناء فترة وجيزة (1623-1638)، عندما احتلها الفرس مرة أخرى.

وقد نما النفوذ الأوروبي في بغداد في القرن التاسع عشر، مع إنشاء الرهبانيات الفرنسية وزيادة التجارة الأوروبية.

وفي عام 1798، تم إنشاء بعثة دبلوماسية بريطانية دائمة هناك، وسرعان ما اكتسب المقيمون البريطانيون سلطة ومكانة في المرتبة الثانية بعد الحاكم.

وبدأت بغداد تستعيد الازدهار مع انطلاق الرحلات البخارية على نهر دجلة في ستينيات القرن التاسع عشر.

وخلال فترة ولاية مدحت باشا (1869-1872)، دمر أسوار المدينة وأصلح الإدارة وأنشأ صحيفة وأنشأ مطبعة حديثة، كما تم إنشاء التلغراف والمصانع العسكرية والمستشفيات والمدارس الحديثة إلى جانب مجلس بلدي.

بغداد في العراق الحديث

في عام 1920، أصبحت بغداد عاصمة دولة العراق حديثة النشأة. فكيف حدث ذلك؟

تقول دائرة المعارف البريطانية، إنّ بريطانيا أقامت منطقة نفوذ في العراق، وكانت قد احتلت عام 1917 خلال الحرب العالمية الأولى ولايات البصرة وبغداد والموصل، وكانت تابعة للدولة العثمانية.

غير أنّ العراق شهد انتفاضة ضد البريطانيين في مايو/آيار من عام 1920 (ثورة العشرين)، حيث شعر الشعب العراقي بأنه تمّ التراجع عن الوعود التي قدمت لهم بالاستقلال، وتطلّب الأمر نشر أكثر من 100 ألف جندي بريطاني وهندي.

 

المصدر: BBC