تيك توك: مع بداية عام جديد، هل يُصبح مهنة المستقبل؟

قبل أكثر من سنتين، انتشر مقطع فيديو كالنار في الهشيم لبيرت واكد – وهي فتاة لبنانية – مع قطتها وتقوم بتقليد أغنية للفنانة نانسي عجرم بعنوان “حُبك سفّاح”. وبطريقة طريفة غيّرت بيرت طريقة نطق كلمات الأغنية إلى “حبك سفّاو” مستلهمة ذلك من صوت القطة.

ذلك الفيديو البسيط بـ”أقل الإمكانيات”، حصد ملايين المشاهدات، وأكثر من مليون إعجاب ومشاركة على تيك توك وحده، بل وأصبح مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في كل أنحاء العالم يؤدون الأغنية على طريقة بيرت، ما دفع بصاحبة الأغنية الأصلية نانسي عجرم للتفاعل مع الفيديو أيضاً، وقالت في رسالة نشرتها على صفحتها الرسمية على إنستغرام، إنها أحبّت الفتاة ووصفتها بــ”المهضومة”.

اليوم، وبعد مرور سنتين على الفيديو، أصبحت بيرت واكد المعروفة باسم “The Bertilicious” على تيك توك من أشهر المؤثرين في المنطقة، ويُتابعها ملايين الأشخاص من كل أنحاء العالم على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وأصبحت تسير بخطوات واثقة في عالم صناعة المحتوى الرقمي، محققة بذلك أرباحاً مالية كبيرة.

كيف تعمل خوارزميات تيك توك؟

تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي على خوارزميات معقدة لانتشار المحتوى وتفاعل المستخدمين معه.

ويقول سلوم الدحداح، الخبير في وسائل التواصل الاجتماعي لبي بي سي، إن خوارزميات تيك توك تحديداً تعتمد على تحليل تفضيلات المستخدمين، مما يجعل كل محتوى موجهاً بدقة إلى فئات المستخدمين المختلفة.

وبدأ تيك توك كمنصة لتصوير مقاطع قصيرة على موسيقى أو أغان متداولة، لكنه تطور بعد ذلك ليشمل محتويات تعليمية وترفيهية وإعلانية.

وأصبح اليوم يعتمد على العديد من الخوارزميات لتحديد مدى انتشار الفيديو وظهوره لدى المستخدمين، مثل مدة الفيديو وتفاعل الجمهور معه من خلال تسجيل الإعجاب والتعليقات وإعادة المشاركة.

مثلاً: بعد نشر فيديو على المنصة، يبدأ أولاً بالظهور لدى متابعي الناشر، وفي حال قام هؤلاء بمشاركته مع أصدقائهم، يصل الفيديو إلى جمهور أكبر من غير المتابعين، وككرة الثلج، كلما زادت المشاركات والإعجاب، زاد التفاعل، وبالتالي تقوم الخوارزميات باقتراحه على صفحة “for you” على منصة تيك توك، أو على صفحة “explore” على منصة إنستغرام، وهكذا ينتشر الفيديو على نطاق أوسع.

هذا الانتشار الذي يحققه أي فيديو – وشهرة صاحبه – يجذب العلامات التجارية للاتفاق مع الناشرين أو “المؤثرين” للتسويق لمنتجاتهم، إذ يقول الدحداح أن التفاعل الكبير على تيك توك مع المؤثرين، يجذب العلامات التجارية لأن يكونوا جزءاً من هذا التفاعل، ويقومون بالتعاقد مع المؤثرين للترويج لمنتجاتهم.

خيارات أفضل

وتشكو بيرت من سياسات تيك توك لجني الأرباح في المنطقة العربية، وتقول إنها توجهت إلى يوتيوب كبديل لتيك توك باعتبار أن سياسته تعتبر “أفضل” في تحقيق الأرباح، إذ يعتمد على ساعات المشاهدة وعدد المشاهدين، وأصبح لديها اليوم على يوتيوب أكثر من مليون مشترك في صفحتها.

أما على منصة تيك توك، فيعتمد الربح على البث المباشر والهدايا الرقمية التي تعادل مبالغ مالية، مثل الورود أو رموز أخرى قد تصل قيمتها أحياناً إلى مئات الدولارات، في حين أن عدد المشاهدات والمتابعين للمحتوى، لا يعتبر مصدراً لتحقيق ربح كبير بالنسبة لصانعي المحتوى في العالم العربي.

على سبيل المثال، هدية “الأسد” الشهيرة على المنصة، يمكن أن تمنح من يتحصل عليها خلال بث مباشر، ربحاً تصل قيمته إلى 200 دولار.

لكن على منصة يوتيوب فإن الوضع مختلف تماماً، إذ يشير الدحداح إلى أن الربح على هذه المنصة يعتمد على تحقيق شروط معينة مثل تجاوز 1000 متابع و4000 ساعة مشاهدة، كما يتيح لصانع المحتوى دمج الإعلانات على فيديوهاته ما يحقق له ربحاً أكبر.

وخلال الأعوام الأخيرة، أصبح مستخدمو تيك توك يعتمدون بشكل كبير على التعاون مع العلامات التجارية، لكن مع ذلك تظل منصة تيك توك أقل ربحية لصانعي المحتوى في المنطقة العربية مقارنة بمنصات أخرى مثل يوتيوب كما يقول الدحداح.

ويبلغ عدد المستخدمين النشطين شهرياً حوالي 1.58 مليار مستخدم، وتشير الأرقام في التقرير إلى أن معدل استخدام المنصة يومياً يصل إلى 58 دقيقة و24 ثانية.

وفي النصف الأول من عام 2024، تم تحميل التطبيق 488.23 مليون مرة، محققاً بذلك إيرادات هائلة بلغت نحو 9.44 مليار دولار، مما يبرز مكانته كمنصة ليس فقط للترفيه، ولكن أيضاً كأداة اقتصادية قوية، ويدل على مدى انتشار التطبيق على مستوى العالم.

وفي تقرير الموقع المتخصص، فقد تصدّرت إندونيسيا قائمة أكثر أعداد المستخدمين للمنصة بـ 157.6 مليون مستخدم، تليها الولايات المتحدة بـ 120.5 مليون مستخدم، بينما احتلت الدول العربية مراكز متوسطة في أعداد المستخدمين.

وبناءً على ذلك، تختلف السياسات التي تضعها المنصة لجني الأرباح بالنسبة لصانعي المحتوى، إذ يعتمد ذلك على الموقع الجغرافي وعدد المتابعين.

ففي الولايات المتحدة وأوروبا، يتمكن صانعو المحتوى من جني أرباح قد تصل إلى 50,000 دولار سنوياً إذا كان لديهم قاعدة جماهيرية نشطة تبلغ حوالي مليون متابع.

في المقابل، يظل صانعو المحتوى في العالم العربي يعانون من محدودية الخيارات لتحقيق الدخل بسبب غياب دعم مباشر للمشاهدات من قبل المنصة.

واستهلاك أكبر، وتركيز أقل

كما تشير إحصائيات موقع DemandSage، إلى أن الغالبية العظمى من مستخدمي تيك توك، بنسبة تصل إلى 69.4 في المئة، تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، في حين يشكل المستخدمون الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 عاماً نسبة أقل بلغت 15.4 في المئة، بينما اقتصرت نسبة المستخدمين الذين تبلغ أعمارهم 55 عاماً فأكثر على 7.2 في المئة فقط.

وتعكس هذه الأرقام مدى انتشار استخدام منصة تيك توك لدى فئة الشباب تحديداً، ويبدو أن المنصة تركز على استقطاب تلك الفئة بشكل كبير، ما يجعلها في مواجهة انتقادات حول تأثيرها على الأجيال الناشئة.

وأشارت عدة تقارير إلى أن الطلاب الذين يقضون وقتًا طويلاً على تيك توك يعانون من صعوبة في إدارة الوقت وأداء الواجبات والمهام الدراسية.

بينما يتوجه أخرون إلى دحض هذه الفكرة، مستشهدين بـ”المحتوى التعليمي الذي يُثري المعرفة” وبات ينتشر بشكل كبير على منصة تيك توك، ويعتبرون أن تأثير تيك توك يعتمد بشكل كبير على كيفية استخدامه.

تحديات الخصوصية، والآداب العامة

الانتقادات لم تقتصر فقط على تأثير تيك توك على الشباب والطلاّب، بل هناك من ينتقد ما وصفوه بانتشار “المحتوى الهابط” على المنصة خلال السنوات الأخيرة، ما أثار جدلاً مجتمعياً كبيراً في عدد من الدول ودفع السلطات في بعضها لاتخاذ إجراءات صارمة ضد صانعي المحتوى.

 

المصدر: BBC