حلب: قصة جوهرة سوريا التي صهرتها الحرب

في تطور مفاجئ على الساحة السورية، دخل مقاتلو المعارضة،”هيئة تحرير الشام” وفصائل حليفة لها، مدينة حلب عاصمة المحافظة التي تحمل نفس الاسم، ما أثار مخاوف من اشتعال الحرب الأهلية في البلاد مرة أخرى بشدة لم تشهدها منذ سنوات.

وقطعت المعارضة الطريق الدولي الذي يصل العاصمة دمشق بحلب، كبرى مدن شمال سوريا، كما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وخلال العام الأول من الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد، لم تشهد حلب الاحتجاجات واسعة النطاق ولا العنف المميت الذي هز البلدات والمدن الأخرى.

ولكنها أصبحت فجأة ساحة معركة رئيسية في يوليو/تموز 2012، عندما شن مقاتلون معارضون هجوما لطرد القوات الحكومية والسيطرة على شمال سوريا.

ولكن تقدم قوات المعارضة لم يكن حاسما، وانتهى الأمر بحلب إلى تقسيمها إلى نصفين تقريبا، حيث تسيطر المعارضة على الشرق والحكومة على الغرب.

حدث ذلك في وقت وجدت فيه حلب نفسها محشورة بين ما يسمى بتنظيم “الدولة الإسلامية” إلى الشرق والمجموعات الكردية السورية إلى الشمال الغربي، وقد خاض تنظيم “الدولة الإسلامية” والمجموعات الكردية معارك مع بعضهما البعض، وكلاهما اشتبك مع مقاتلين مناوئين للأسد مثل جيش الفتح.

ولم يتمكن أي من القوات الحكومية السورية والمعارضة من كسر الجمود حتى منتصف عام 2016، عندما قطعت القوات الحكومية بدعم من الضربات الجوية الروسية الطريق الأخير لقوات المعارضة إلى الشرق ووضعت 250 ألف شخص تحت الحصار.

مدينة قديمة

وتُعد مدينة حلب عاصمة المحافظة واحدة من أقدم وأعرق المدن في العالم كله، وقد ورد ذكرها في النصوص المصرية من القرن العشرين قبل الميلاد.

وتم العثور على بقايا معبد يعود تاريخه إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد في موقع قلعة حلب الشهيرة التي تعود إلى العصور الوسطى، والتي لا تزال تهيمن على المنطقة وكانت بمثابة معقل دفاعي لعدة قرون.

وقد ازدهرت حلب سياسيا واقتصاديا خلال القرن الثامن عشر قبل الميلاد باعتبارها عاصمة مملكة يمحاض، حتى سقطت في أيدي الحيثيين.

في عام 636 م، غزت الجيوش العربية الإسلامية حلب. وبعد حوالي 80 عامًا، في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، تم بناء مسجدها الكبير.

وفي القرن العاشر، أصبحت حلب عاصمة الدولة الحمدانية في شمال سوريا، ولكنها عانت بعد ذلك من فترة من الحرب والاضطرابات، حيث قاتلت الإمبراطورية البيزنطية والصليبيون والفاطميون والسلاجقة من أجل السيطرة عليها وعلى المنطقة المحيطة بها.

ولكن هذه الفترة انتهت فجأة في عام 1260، عندما استولى المغول على حلب. ثم عانت المدينة من تفشي الطاعون في عام 1348 وهجوم مدمر شنه تيمورلنك في عام 1400.

في عام 1516، أصبحت حلب جزءًا من الإمبراطورية العثمانية. وسرعان ما أصبحت عاصمة لولاية خاصة بها وبرزت كمركز تجاري بين الشرق وأوروبا.

وتراجع دور حلب كمركز عبور للتجارة في أواخر القرن الثامن عشر، وبشكل أكبر بسبب ترسيم فرنسا وبريطانيا لحدود سوريا الحديثة في نهاية الحرب العالمية الأولى الأمر الذي قطع المدينة عن جنوب تركيا وشمال العراق وخسارة ميناء الإسكندرونة على البحر الأبيض المتوسط لتركيا في عام 1939.

ويتألف سكان حلب اليوم في معظمهم من المسلمين السنة، ومعظمهم من العرب، ولكن بعضهم من الأكراد والتركمان. كما تضم المدينة أكبر عدد من المسيحيين في سوريا، بما في ذلك العديد من الأرمن، فضلاً عن المجتمعات الشيعية والعلوية.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن جذور الجالية اليهودية في حلب تعود إلى العصور القديمة، وكانت حلب لعدة قرون مركزًا مهمًا للثقافة اليهودية. واستقر عدد كبير من اليهود الذين طردوا من إسبانيا في نهاية القرن الخامس عشر في حلب.

وفي القرن العشرين، وفي ظل المعارضة للوجود الصهيوني في فلسطين زاد العداء والعنف تجاه يهود حلب، ما أدى إلى موجة من الهجرة. وبحلول عام 1948، غادرت معظم الجالية اليهودية حلب، فيما غادر آخر السكان اليهود في تسعينيات القرن العشرين.

حرب استنزاف

عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في مختلف أنحاء سوريا في مارس/آذار 2011، بذلت السلطات كل ما في وسعها لضمان عدم انتشارها في حلب.

وقد ساعد التهديد بالانتقام الوحشي في الحد من المظاهرات إلى حد كبير في المناطق النائية من المدينة وجامعة حلب.

ومع ذلك، ومع تطور الانتفاضة إلى صراع، سرعان ما انجرفت حلب في الاضطرابات.

في فبراير/شباط من عام 2012، هز المدينة هجومان بالقنابل على مجمعات للمخابرات العسكرية والشرطة، مما أسفر عن مقتل 28 شخصا.

وبعد ذلك، بدأت التقارير تتحدث عن وقوع اشتباكات بين مقاتلي المعارضة والقوات الحكومية بوتيرة متزايدة في المناطق القريبة من محافظة حلب.

وبدأت معركة السيطرة على مدينة حلب في منتصف يوليو/تموز من عام 2012. وحققت قوات المعارضة مكاسب سريعة، حيث استولوا على العديد من المناطق الموالية للمعارضة في الشمال الشرقي والجنوب والغرب.

وفي سبتمبر/أيلول من عام 2012، اندلع حريق في السوق القديم بعد اشتباكات في المنطقة المجاورة، وفي أبريل/نيسان 2013 تحولت مئذنة المسجد الكبير التي يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر إلى أنقاض.

وفي غضون أشهر قليلة تحولت معركة حلب إلى حرب استنزاف حيث باتت معظم الأراضي متنازع عليها، وأصبحت خطوط المواجهة تتغير باستمرار.

ولم تتمكن قوات المعارضة من الحصول على الأسلحة الثقيلة التي يحتاجون إليها لهزيمة قوات الحكومة الأفضل تجهيزاً، في حين تعطلت خطوط إمداد الجيش واضطر إلى تركيز موارده على دمشق، حيث بدأ هجوم قوات المعارضة أيضاً في يوليو/تموز من عام 2012.

ولم يتمكن أي من الجانبين من كسر الجمود العسكري في حلب لمدة 4 سنوات لكن بعد عام 2013، شنت القوات الحكومية حملة جوية قاتلة في حلب باستخدام البراميل المتفجرة، ما سمح لها بتحقيق عدة مكاسب.

حدث ذلك فيما واجهت قوات المعارضة صراعات داخلية بين ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجماعات جهادية أخرى.

 

المصدر: BBC