يواجه بعض الموظفين تحديات تتعلق بالتعب وفقدان التركيز نتيجة الامتناع عن الطعام والشراب طوال اليوم، بينما قد يلاحظ آخرون آثاراً إيجابية مثل زيادة التركيز وتحسين القدرة على تنظيم مهام العمل.
مع حلول شهر رمضان، تقوم العديد من الدول العربية والإسلامية بتقليص ساعات العمل، ما قد يساهم في شعور شائع بين الموظفين بتأجيل المهام إلى ما بعد الإفطار، وأحياناً إلى ما بعد انتهاء هذا الشهر.
وأظهرت العديد من الدراسات تأثير الصوم على الدماغ والنشاط البدني، مما ينعكس مباشرة على أداء الموظفين في العمل. ورغم الفوائد التي تؤكدها الأبحاث العلمية حول دور الصوم في تعزيز التركيز والنشاط، يظل السؤال المهم: هل تنعكس هذه الفوائد فعلاً على أداء الموظفين خلال شهر رمضان؟
الصوم طريقك لزيادة التركيز وتحفيز طاقة دماغك
ونشرت مجلة “نيورولوجي إنترناشونال” عام 2017 دراسة حول تأثير الصيام في رمضان على مستويات السيروتونين والدوبامين وعوامل النمو العصبي في الدماغ.
وقد كانت هذه الزيادة ملحوظة خلال الشهر، وخاصة في اليوم التاسع والعشرين مقارنة باليوم الرابع عشر، مما يعكس التأثير الإيجابي للصيام على هذه العوامل العصبية بحسب الدراسة.
لماذا يشعر البعض بانخفاض النشاط خلال شهر رمضان؟
يقول رعد خالد، مالك أحد المصانع، إنه لاحظ أن أداء الموظفين يتراجع بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان في الجوانب المكتبية والإنتاجية، إذ ينخفض أحياناً إلى النصف.
ويضيف: “نواجه صعوبة في تلبية احتياجات الزبائن بسبب انخفاض سرعة الإنتاج”، مشيراً إلى أنه قام بتعديل ساعات العمل وتحويل بعضها إلى المساء من أجل إنجاز الحد الأدنى من الأعمال المطلوبة.
توضح أخصائية التغذية العلاجية فاتن النشاش أن الصيام يساهم في تنقية الجسم من السموم وتجديد الخلايا، مما يعزز التركيز والنشاط. ومع ذلك، يعود شعور بعض الأشخاص بالتعب وقلة التركيز خلال رمضان إلى العادات الغذائية غير الصحية والممارسات التي يتبعها البعض.
تقول النشاش إن “المشكلة تكمن في عاداتنا خلال شهر رمضان”، وتضيف أنه فيما يتعلق بتفسير انخفاض النشاط والتركيز لدى البعض في هذا الشهر، تبدأ المشكلة من تناول كميات كبيرة من الطعام، خاصة الأطعمة الغنية بالسكر والدهون، بالإضافة إلى توزيع الوجبات بشكل غير متوازن.
تعتبر أخصائية التغذية فاتن النشاش أن إلغاء وجبة السحور في رمضان من أبرز الأخطاء التي يرتكبها الكثيرون. إذ ترى أن السحور يعد مصدراً أساسياً للطاقة طوال اليوم، مما يساعد الجسم على الحفاظ على نشاطه وفعاليته. وعلى الرغم من ذلك، يختار العديد إلغاء السحور أو تناوله قبل ساعات من آذان الفجر، في حين أن الأفضل هو تأخيره ليكون قبيل الآذان مباشرة.
تلفت النشاش أن كمية ونوعية الطعام التي نتناولها في رمضان غالبًا ما تكون غير صحية. فبالرغم من أن الصيام يساعد الجسم على التخلص من السموم وتجديد الخلايا، إلا أن إدخال الأطعمة غير الصحية في وجباتنا قد يحبط هذه الفوائد. فعندما تقتصر الوجبات على المقالي والشوربات الدسمة التي تحتوي على الكريمة بالإضافة إلى تناول كميات كبيرة من الطعام، قد لا نتمكن من تحقيق الفوائد المرجوة من الصيام.
أما بالنسبة لشرب الماء، فتؤكد النشاش أنه ضروري للغاية لصحة الجسم والدماغ، حيث يساعد على تحسين وظائف الجسم والتركيز والنشاط. ومع ذلك، يعاني العديد من الأشخاص في رمضان من عدم تناول كميات كافية من الماء بسبب ضيق الوقت خلال فترة الإفطار.
وتشير إلى أن أحد الأخطاء الشائعة هو استبدال الماء بالعصائر. على الرغم من أن هذه المشروبات تعتبر سوائل، إلا أنها لا تفي بالغرض نفسه. العصائر تحتوي على كميات كبيرة من السكريات التي تؤثر سلباً على التركيز والنشاط. وبشكل عام، فإن عدم تناول السوائل بكميات كافية يعيق الجسم عن الشعور بالنشاط الكامل.
وتؤكد النشاش أن ممارسة الرياضة والنوم يؤثران بشكل كبير على النشاط خلال رمضان، إذ يقل النشاط البدني بشكل ملحوظ ويتوقف البعض عن ممارسة التمارين الرياضية. حتى الأشخاص الذين لا يمارسون الرياضة بشكل منتظم ينامون لفترات أطول، مما يؤدي إلى الخمول والتعب.
أما بالنسبة للنوم، فإن الجسم يعتاد على روتين نوم محدد، ومع حلول رمضان يتغير هذا الروتين. ما يؤثر على ساعات النوم وجودتها، مما يجعل الموظفين يطلبون تأخير ساعات العمل بسبب قلة النوم ليلاً.
“فرصة ذهبية”
تشير النشاش إلى أهمية التحضير لشهر رمضان، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعتمدون على النيكوتين والكافيين. وتوصي بتقليل كميات الكافيين تدريجياً قبل أسابيع من بداية رمضان، من خلال تقليل عدد مرات شرب القهوة وتأخيرها، حتى يتأقلم الجسم مع التغيير.
وتعتبر النشاش شهر رمضان فرصة ذهبية للإقلاع عن التدخين، إذ يشكل “الكافيين والنيكوتين نوعاً من الإدمان”، ومن الصعب التوقف عنهما فجأة.
تحرص العديد من المؤسسات والشركات على الحفاظ على إنتاجية الموظفين خلال هذا الشهر، حرصاً على استدامة مسار العمل باختلاف ما تقدمه هذا الشركات سواء كانت تعمل بالقطاع الخدمي أو غيره.
يوضح خبير الموارد البشرية والتطوير المهني، محمد حزيّن، أهمية مراعاة خصوصية شهر رمضان لضمان استمرارية الإنتاج في الشركات. ويشدد على ضرورة تفهم كل حالة على حدة، سواء كان صاحب شركة أو مدير أو موظف موارد بشرية.
ويضيف أن تعديل ساعات العمل يعد أمراً ضرورياً خلال هذا الشهر، حيث يتعين توفير مرونة تتناسب مع أنماط النوم والسهر المختلفة بين الموظفين.
وتطرق حزيّن إلى قضية الغياب والتأخير، مشيراً إلى أن هذه الأمور تعد طبيعية خلال رمضان. وينبغي على الشركات تقييم الأسباب وراء التأخير أو الغياب، مع ضرورة إعادة توزيع المهام بشكل مناسب وتقديم حوافز لتشجيع الموظفين على الالتزام.
وأكد على ضرورة تجنب التساهل المفرط في التعامل مع التقصير، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة إذا كان التأخير أو التقصير متعمداً.
أما بالنسبة للشركات الصناعية، يشير حزيّن إلى أنها تقوم بتعديل ساعات العمل لتتناسب مع طبيعة الموظفين في رمضان، مشيداً بتجربة بعض الشركات في تقليل ساعات العمل بناءً على الأداء، حيث يمكن أن يتبين أن الإنتاجية تبقى عالية رغم تقليل ساعات العمل.