زيت كبد الحوت: رغم طعمه غير المستساغ، لكن فوائده الصحية مدهشة

بينما كان كثير من الناس يكافحون من أجل تناوُل غذاء صحيّ، كانت زيوت غريبة الطعم توصَف بأنها هي الحَلُّ لكل المشكلات. وقد تبيّن بالفعل أن واحداً من تلك الزيوت غنيٌّ جداً بالفيتامينات.

“زيت كبد الحوت”، عبارة منتشرة في هذه الأيام تثير في النفوس سيلاً من الصُور التي تعبّر عن عادات قديمة كمِلعقة مُترعة بالدواء في يد ممرضة بإحدى المدراس أو مديرة للمدرسة، كتلك الشخصيات التي صوّرها تشارلز ديكنز في رواياته.

أدوية كثيرة كانت سائدة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لم تستطع أن تُثبت فعاليتها مع مرور الزمن؛ فلم نعُد نسمع على سبيل المثال عن إعطاء الأطفال لدى بُكائهم تلك الأدوية الأفيونية المخدرة بشكل روتيني، ولم يعد شراب التين وزيت الخروع يعتبران علاجات لكل شيء، على أنهما مفيدان بدرجةٍ ما في علاج الإمساك.

ثم متى كانت آخر مرة انتظرتَ الصيدلاني لكي يحضّر لك دواء الكبريت والدبس؟

وفي عام 1919، اكتُشف أن نقص الكالسيوم ونقص فيتامين D وراء الإصابة بالكُساح، وأدى ذلك الكشف إلى الإقبال الكبير على زيت كبد الحوت.

لكن التعرّض الروتيني لأشعة الشمس، كبديل للحصول على فيتامين D، ليس اختيارا متاحاً للأطفال في المملكة المتحدة – بلاد الضباب.

وعليه، شرعت حكومات عديدة على مدى عقود في الاتجاه إلى إغناء أو إثراء الأغذية بالفيتامينات.

وفي الولايات المتحدة بحلول عام 1933، صدرت القوانين الملزِمة بإثراء اللبن السائل وحبوب الإفطار والخبز والدقيق بفيتامينD.

وحتى في القرن الحادي والعشرين، تعكف الحكومات على تعديل سياساتها في محاولة لرفع مستويات فيتامين D – ومن ذلك على سبيل المثال، حكومة فنلندا في عام 2003.

لكن جهود إثراء الأغذية في المملكة المتحدة كانت قد واجهت عائقاً بعد زيادة الإصابات بحصوات الكلى وغيرها من المشكلات الناجمة عن زيادة الكالسيوم في الدم، مما دفع الخبراء إلى الشك في أن السبب في ذلك هو الحصول على جرعات كبيرة من فيتامين D.

وعلى أثر ذلك، حظرت الحكومة البريطانية إثراء الأغذية بالفيتامينات في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، باستثناء السمن النباتي وحليب الأطفال الصناعي.

ولم يكن يبدو أن هنالك عودة ظهور لزيت كبد الحوت. وفي العام 2013، توقفت المملكة المتحدة عن إثراء السمن النباتي بالفيتامينات، مكتفية بتشجيع الناس على تناوُل المكملات الغذائية بدلاً من ذلك.

وفي السنوات الأخيرة، تطوّرت اختبارات الدم، لتظهر حقائق بخصوص مستويات فيتامين D في الدم.

وفي ضوء ذلك، تبيّن أنه في الفترة بين يناير/كانون الأول ومارس/آذار -عندما يشحّ ضوء الشمس أكثر من أي وقت آخر في السنة- يعانى نحو 40% من الأطفال في المملكة المتحدة نقصاً في فيتامين D، فيما يسجّل هذا النقص نسبة تناهز 30% بين البالغين خلال الفترة نفسها.

ويتفشى نقص فيتامين D بين سكان المملكة المتحدة وكذلك في دول جنوب آسيا، بحسب خبراء التغذية.

والأخطر من ذلك كله، هو عودة الكُساح إلى الظهور في المملكة المتحدة، بعد أن كان قد انخفض بشدة في حقبتَي الستينيات والسبعينيات وما تلاهما من عقود في القرن الماضي.

لكن مع الدخول في الألفية الجديدة، عادت أرقام الإصابات بالكُساح في إنجلترا إلى الارتفاع، مسجلة أعلى مستوى لها في 2011، بحسب ما كتب باحثون في ذلك العام.

“فهل هذا هو الوقت المناسب لعودة إثراء الأغذية بالفيتامينات؟”، هذا سؤال مطروح حاليا على طاولة اللجنة العلمية الاستشارية حول التغذية في الحكومة البريطانية.

لا سيما وأنه قد تبيّن أن زيادة الإصابات بحصوات الكلى وغيرها من المشكلات التي كانت قد اكتُشفت في المملكة المتحدة في خمسينيات القرن الماضي ونُسبت حينها إلى عمليات إثراء الأغذية بالفيتامينات، كانت ناجمة في الحقيقة عن مرض جينيّ بالأساس.

وهناك عوامل عديدة محتملة وراء ارتفاع أعداد حالات الكُساح في المملكة المتحدة، لكن تلك الصورة ربما تدفع إلى الاعتقاد بأن الملعقة المُترعة بزيت كبد الحوت قد تعود من جديد إلى الاستخدام الشائع … ربما نرى ذلك في المستقبل القريب.

 

المصدر: BBC