سرطان الثدي: “عنف وانفصال واستبدال”.. حكايات عن مصابات في مصر

“كان يقول لي أنت لست سيدة، أنا مللت منك ومن مرضك، أنا لا أريدك”، هكذا تتذكر فاطمة – اسم مستعار- كلمات زوجها بعد إصابتها بمرض سرطان الثدي.

حدد الأطباء خطة العلاج من خلال استئصال الثدي والخضوع لجلسات الكيماوي والإشعاع. ومع بداية العلاج، بدأت الخلافات تدب بينها وبين زوجها، “بدأ يتساقط شعري ورموشي”، تحكي فاطمة.

تقول فاطمة ذات 39 عاماً إنها تعرضت للعنف من قبل زوجها بعد تشخيصها بالمرض حيث قام بضربها أكثر من مرة.

أجرت المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي بحثاً في محافظات مصر المختلفة، عام 2015 على 6043 حالة إصابة بسرطان الثدي لقياس أثر الإصابة بالمرض على العلاقة الاجتماعية للسيدة.

من مكتبة المؤسسة في منطقة وسط القاهرة يبرر أشرف عزيز، المدير التنفيذي للمؤسسة، عدم تكرار الدراسة منذ 2015، “بسبب الإغلاقات التي تمت بسبب تفشي فيروس كورونا في السنوات الماضية، ونعمل على إعادتها العام القادم”.

ويقول أشرف أن ما تتعرض له المريضة من إيذاء من قبل الزوج قد يرجع لبعض الموروثات والمعتقدات الاجتماعية الخاطئة في الثقافة الشرقية التي تتناقل الأخبار بشكل مبالغ فيها، وتعطي الرجال حقوق تمنعها على النساء.

ويرى أشرف من مشاهداته اليومية أن نسب العنف تزيد في المجتمع المصري، “السبب الرئيسي في الوقت الحالي هي الضغوط الاقتصادية التي يمر بها رب الأسرة، وأول شخص يمكن أن يفرغ في نوبات الغضب تكون الزوجة، لأنه في ظل الضغوط الاقتصادية يحتاج الزوج أيضا للدعم النفسي”.

المعلومات المغلوطة تنتشر بين الأحياء

رفضت الأسرة جميعا بسبب اعتقادهم أن التبرع بالنخاع يسبب الشلل، رغم أنه عملية إجرائية أشبه بالتبرع بالدم. “النتيجة أن توفاها الله في النهاية”، بحسب هبة.

وتتابع: العنف للأسف يمارس ضد السيدات بسبب المرض بأشكال مختلفة خاصا في المناطق الأقل تعليماً أو أقل حظاً من الثقافة والوعي، سواء أنها لا تأخذ فرصة في العلاج أو تتمنع من العلاج أو أن الزوج يرفضها ويتركها أو يطلقها.

“سيدة يمكن استبدالها”

وترصد هبة من مشاهداتها في العمل في مرسال أشكال العنف في محافظات مصر، “نرى في القاهرة في الغالب الرجل يطلق زوجته أو يهجر البيت، ويترك مسؤولية الأولاد كاملة عليها، بينما في المناطق الريفية والصعيد، لا يحدث الطلاق بشكل ملحوظ، لكن عندما تحتاج السيدة لعلاج مكلف خارج نفقة الدولة أو خارج التأمين الصحي، يرفض بعض الأزواج حتى لو كان لديه الدخل الذي يسمح له بصرف الأموال، ودائما تكون الأسباب أنها سيدة وليس مكتوب لها حياة طويلة، ويمكن استبدالها بزوجة أخرى”.

جيلان، اسم مستعار ذات 68 عاماً، إحدى المترددات على جلسات الدعم النفسي لدى المؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدي. واجهت جيلان أيضا عنفا مشابها لما تعرضت له فاطمة.

بعد 28 عاماً انفصلت جيلان عن زوجها، “عندما عرف أني مريضة سرطان، جعلني أشعر أنني عبء عليه ومصاريف زائدة”.

امتنع زوج جيلان عن النفقة على علاجها ومتطلباتها الشخصية. ولم تجد أمامها سوى طلب الطلاق، حتى تحصل على معاش والدها، لأنها لا تعمل.

ما تعرضت له فاطمة وجيلان بسبب المعلومات المغلوطة يشاهدها طبيب الأورام لؤي قاسم أستاذ مساعد بكلية الطب جامعة القاهرة في عيادته. وهو ما يجعل سيدات كثر لا يحصلن على العلاج بالشكل المناسب.

يشرح لؤي “أول المعلومات المغلوطة الاعتقاد بأنه مرض معدي، رغم أنه من الأمراض التي تندرج تحت مظلة الأمراض غير السارية غير المعدية.”

“ظهور المرض دائما يسبب قصة درامية في حياة السيدة وحياة الفريق المعالج، وذلك لأن السيدة يجب أن تتقبل شكلها وتتحمل العلاج. مريضة سرطان الثدي بجانب شعورها بالألم الجسماني في مرحلة ما بعد الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاعي، فهي تتعرض أيضاً لألم من نوع آخر، وهو الألم النفسي الذي تعاني منه نتيجة فقدان جزء كبير من أنوثتها”.

لذلك يسعى الطبيب لؤي لتكيف الخطة العلاجية، لكي تناسب الحالة النفسية للمريضة ورؤيتها لنفسها، ويقول: لو استطعنا تنفيذ بنسبة 80 في المئة من الخطة العلاجية مقابل أنها تلتزم أفضل من عدم الالتزام بسبب الضغوط.

تمتلئ عيناي جيلان بالدموع، “عندما علمت أني مصابة بالمرض، شعرت بالخوف وأشفقت على حالي”.

بعد الانفصال رفض زوج جيلان أن يتركها تعيش في مسكنهما وقال لها: سأتزوج سيدة أخرى ليست مريضة.

اقترحت صديقة جيلان عليها اللجوء لطبيب نفسي، “عندما أتحدث أشعر بتحسن، لكن بعد عودتي للمنزل الذي استأجرته، أتذكر أنني مطلقة في هذا العمر، أشعر بالاكتئاب مرة أخرى”.

تزداد الدموع في عين وصوت جيلان: أنا قلت لزوجي “ذكرتني بخيل الحكومة عندما تقضي مدة العمل تقتل”.

وتقول فاطمة: علاجات السرطان بأنواعها تسبب الاكتئاب وطبعا ممكن المناعة تنخفض ويرتد المرض، مرة أخرى. لكن أنا سأقاوم حتى يفخر بي أولادي بي عندما أقابلهم يوما ما.

 

المصدر: BBC