يواصل الفنان اللبناني طلال الجردي عرض مسرحية «هل هالشي طبيعي» على خشبة مسرح «مترو المدينة» في بيروت وسط إقبال جماهيري كبير.
الجردي تحدث لـ «الراي» عن هذه التجربة وقارنها بتجربته الدرامية التلفزيونية على مستوى الانتشار وتدخُّل الرقابة ودور «السوشيال ميديا» وتأثيرها على العمل الفني.
• هل تشعر بأنك استعدتَ الروحَ مع عودتك إلى المسرح بعد فترة من الغياب القسري عنه؟
– لا شك في أن الظروفَ في لبنان كانت قاسية علينا جميعاً، وعودة المسرح نافذة جميلة جعلتْني أستردّ حيويتي.
• وهل كنت مجبراً على المشاركة في الدراما التلفزيونية خلال الفترة الماضية؟
– كلا، لأن المشاركة فيها هي جزء من عملي كممثل، كما ان إطلالاتي في الدراما التلفزيونية حققتْ لي الانتشارَ وعرّفتْ الناس عليّ أكثر، وهذا الأمر دفعهم للحاق بي إلى المسرح ومُشاهَدة أعمالي.
• وهل زاد جمهورك المسرحيّ بعدما ساهم التلفزيون في انتشار اسمك كممثل؟
– لا أعرف.
• ولكنك قلتَ إن التلفزيون حقق لك الانتشار؟
– هذا صحيح، ولكن اسمي في المسرح هو أفضل من اسمي في التلفزيون إذا لم أكن مخطئاً. ومَن يحبونني كممثلٍ مسرحيّ يفضّلون مشاهدتي على المسرح أكثر. ولا شك في أن التلفزيون جَعَلني أصل إلى جمهور جديد وزاد عدد الناس الذين يقصدون المسرح لمشاهدتي والتعرّف عليّ بدافع الحشرية، ولا شك أيضاً في أن التلفزيون يسوّق الفنان أكثر من المسرح.
• هل ترى أن الميزةَ الأساسية في المسرح أنه مباشَر في طرح قضايا المجتمع أكثر من الدراما التلفزيونية؟
– يخضع العمل التلفزيوني لأنواع متعددة من الرقابة، سواء على مستوى مواصفات العرض من المُنْتِجين أو على مستوى إدارة المحطات أو رقابة الدولة، لأن التلفزيون يدخل بيوت كل الناس وقد تكون هناك محاذير معينة في تناول بعض القضايا عند الدول التي تَدخل إليها الدراما، ولا بد من مراعاة هذه الناحية وأخْذها في الاعتبار. أما العمل المسرحي، فإنه يتوجّه إلى مجموعة من الناس يقصدون المسرح بكامل رغبتهم وإرادتهم، ولذلك يكون هامش الحرية ومساحة التعبير فيه نوع ما أكبر ولا يَخضع للرقابة نفسها التي تخضع لها الدراما التلفزيونية.
• وهل الرقابة التلفزيونية انتقائية أو مزاجية، خصوصاً أن هامش الحرية أصبح أكبر بكثير من السابق، وما كان محظوراً في الأعوام الماضية أصبح مسموحاً به اليوم؟
– الرقابة تخضع للظروف والزمان ولمَن هو أقوى على الساحة، أما الجهات التلفزيونية التي تشتري المُنْتَج الدرامي فتفرض ضوابط معينة. أدبياً، كان الكاتب والمُنْتِج يمارسان نوعاً من الرقابة الذاتية على العمل الفني ويقومان بواجبهما على أكمل وجه ولا يتخطيان الحدود منعاً لتدخل الرقابة فيه. أما اليوم، وبوجود «السوشيال ميديا»، فلا بد من إعادة النظر في دور الرقابة، لأن كل شيء أصبح مباحاً كونها تَعرض كل شيء من دون قيود، كما انها من خلال الهاتف أصبحتْ موجودة في جيوب كل المواطنين، وحتى في جيوب الأطفال الذين لا يتجاوز عمرهم تسع سنوات ولا أحد يعرف ماذا يشاهدون. هذا الأمر يحتاج إلى بحث ووقفة تأمل.
• بما أن الدراما ترتبط بالزمان والمكان، لماذا نشاهد أحيانا أعمالاً خارج المكان والزمان؟
– لأن الدراما تقدّم أعمالاً تاريخية أيضاً. والدراما ترتبط بالزمان والمكان الذي يُعرض فيه العمل.
• المقصود ليس الأعمال التاريخية؟
– توجد دراما ترتبط بهذا الزمان وهذا المكان، بعضها يمسّ المشاهد وبعضها الآخَر لا يمسّه على الإطلاق، وهذه المسألة تتعلق بالمُنْتِج والجهة العارضة لأن لديها حسابات خاصة. المقولة السائدة اليوم هي «الجمهور عاوز كده»، والبعض يطبّقها في أعماله، حتى إنها تحوّلت وأصبحت عند البعض الآخَر «نحن نُمْلي على الجمهور الأعمال التي يجب أن يشاهدها» والمُشاهِد تأقْلم مع هذا الوضع وأصبح يتقبل كل شيء.
• وهل هذا يعني أنك لستَ مع الدراما التلفزيونية التي تُقدم حالياً؟
– ليس دائماً. الناس يتقبّلون أحياناً الدراما التلفزيونية وأحياناً لا يتقبلونها، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على الأعمال الدرامية التي تتميز بإنتاجها الضخم. والموسم الدرامي الرمضاني الفائت أكد ذلك، لأن بعض الأعمال الضخمة لم تحظَ باستحسانِ المُشاهِد على عكس أعمال أخرى أكثر بساطة ولكنها تميّزت بالقِصة والموضوع، كما أن أداء الممثلين يلعب دوراً مهماً أيضاً. ليس بالضرورة أن نوفَّق دائماً بما نقدّمه، والأعمال التركية المعرَّبة لا تحظى جميعها بالتفاعل نفسه، بل يتفاوت التفاعل ويكون في بعض الأعمال أقوى من أخرى. و«السوشيال ميديا» هي المقياس والمؤشّر الذي يعكس هذا الأمر، مع أنها لا تلعب هذا الدور دائماً، بل هي تخضع أحياناً للشراء والبيع.
• وهل الجمهور هو المقياس وهل هو على حق دائماً؟
– نحن نعرض أعمالنا للجمهور، ولكننا لا نملك القدرة دائماً على إرضاء الجميع. وأحياناً لا نرضي أحداً، وأحياناً يمكن أن نرضي بعض الناس، وفي أحيان أخرى ننجح في إرضاء فئة أكبر منهم. هناك أمور كثيرة لا بد من التعامل معها بدقّة، وبينها خيار الممثل وخيار المُخْرِج كي نحصل على رضا الجمهور. أما المسرح، فهو مختلف عن التلفزيون وأصعب منه، ولا توجد إمكانية لشراء الناس على «السوشيال ميديا» كما يحصل في التلفزيون، لأن الجمهور يشاهد العمل المسرحي وينقل انطباعه عنه سلباً أو إيجاباً ولا يُمكن أن يغش أبداً وأن يقول عن مسرحية ما إنها جيدة إذا كانت غير جيدة لأنه دفع المال ويُفترض به ألا يغشّ بل أن يعبّر عن رأيه بتجرّد وبعيداً عن المواربة كي يتجنّب زَعَلَ الآخَرين منه بحال أخذوا في رأيه وقصدوا المسرح بناء على تقييمه.