في 2025 جيل بيتا قادم، والأنثروبولوجيا الرقمية تحذر من “حياة لا تشبه البشر”

إلى أي جيل تنتمي؟ الجيل إكس أم الألفية أم زد؟، إن الجيل هو مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ويعرّف تقليدياً على أنه “متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم”.

ومع بزوغ عام 2025 ومرور الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، يتجه العالم نحو جيل جديد من البشرية سيشار إليه باسم الجيل بيتا، وسيدرك أبناء جيل بيتا العيش في القرن الثاني والعشرين، كما يُتوقع أن يرثوا عالماً مختلفاً بشكل كبير عن عوالم من سبقوهم إلى معترك الحياة.

النسخة الجديدة

قد يكون من السابق لأوانه تحديد خصائص أعضاء جيل بيتا، إلا أن فهم تركيبة من سينجبونهم يمكن أن يُقدم أفكاراً مثيرة عما قد تكون عليه تلك النسخة الجديدة من البشرية، مبدئيا فإن براعم جيل بيتا الأولى هم نسل من يُعرفون بـ”المواطنين الرقميين”، وهو مواليد نهايات جيل الألفية وطلائع الجيل زد (جيل ما بعد الألفية)، الذين امتلكوا مفاهيم وقيم مغايرة بتغيّر زمنهم.

لقد بدأ هذا الجيل في استخدم الأجهزة اللوحية قبل أن يكون قادراً حتى على الكلام، ولهذا يطلق عليهم جيل الشاشات التي يكاد يكون من المستحيل إبعادهم عنها، وكانت حاضرة وجزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية والاجتماعية منذ ولادتهم.

وكما أنه من جيل إلى جيل ظهرت أنواع جديدة من الموسيقى، وتغيّرت الألسنة، وظهرت دوماً تعبيرات لونت وميزت كل جيل ومنحت دليلاً للباحثين لإثبات الفروقات الجيلية، يشيع الآن بين أبناء جيل ألفا مصطلح “الكودينغ” أو “البرمجة” الذي يرون فيه أمراً ممتعاً يساعدهم على الإبداع مقارنة بـ”لعبة الميكانو” التي شاعت في جيل الآباء والأجداد.

وتقارن منى استخدام البرمجة بين جيلها والأجيال التالية، وتقول: ” لم اختبر البرمجة في سن مبكرة، إذ كان تعاملي معها كمبتدئة بشكل نظري في عهدي”، لكن بعد أن أصبحت التكنولوجيا المتطورة في المتناول وبات يمكن القفز مباشرة إلى الجانب العملي وتطوير الأجهزة الآلية والروبوتات وبرمجتها على العمل والتحرك، أصبحت “البرمجة تجربة أكثر واقعية وسهولة” كما تقول.

وبناء على رأي الخبراء تعتقد منى أن الأطفال الحاليين يمكنهم البدء في تعلم مفاتيح البرمجة في سن صغيرة، مؤكدة أن تحول هؤلاء من مجرد استخدام التكنولوجيا إلى فهم كيفية عملها، هو اختلاف كبير لم يحدث على مر الأجيال الماضية.

وتضيف منى أن “المهارات الشخصية ستصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى حتى يزدهر جيل ألفا بشكل جيد في سنوات التغيير القادمة، إذ يُظهر هذا الجيل كفاءة عالية”، مستشهدة بالعديد من الأطفال الذين حصدوا جوائز مهمة في مجال البرمجة في سن لا يتجاوز الـ9 أعوام، “ما يعطي شعوراً بالثقة، وينذر بنجاحات كبيرة” كما تصف.

وتشدد منى على فكرة لجمع بين الترفيه والعلم، وأن “ننغمس منذ نعومة أظافرنا كفاعلين في عالم اليوم الذي تحركه التكنولوجيا باستمرار”، موضحة أن البرمجة والذكاء الاصطناعي باتا متصلين ببعضهما “لأن البرمجة هي المهارة التي تجلب الاختراعات إلى الحياة، وتتيح لنا بلورة وتشكيل التكنولوجيا، التي بدورها تشكل طريقة عيشنا وتعاملنا وتعاطينا مع العالم، وهي ما تتيح لنا الذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الذكية، ومواقع الإنترنت”.

وتوافق منى على أن الأجيال السابقة لم تحظ بفرصة كبيرة للاندماج مع التكنولوجيا، متوقعة لجيل بيتا أن يكون “أشد تمكينا تكنولوجيا، ويتفوق على جيل ألفا مع انتقالنا إلى عالم تنتشر فيه المزيد من الروبوتات”.

تقلب الدهر

لكل جيل شيء مميز، وأثر بطريقته في حركة التاريخ، فبالعودة لأزمنة سحيقة سنجد أجيالاً حملت تسميات خاصة بها ومجموعة من السمات النمطية الفريدة التي يجزم المختصون بأهميتها في البحوث الاجتماعية، ما يسمح بإجراء مقارنات ذات مغزى.

لكن المؤرخين يتفقون على أن نظام تسمية الأجيال بدأ بشكل متسلسل منذ القرن العشرين، وبالتالي من المهم أن نضع في اعتبارنا أنه عندما نلاحظ أن أحد الأجيال يُطلق عليه اسم جيل “العظماء “، فإن ذلك لا يعني تفوقه، بل هو إشارة إلى واقع معين عايشه ذلك الجيل، وأفرز نموذجاً إنسانياً يعكس المرحلة وظروفها، إذ لا يوجد جيل “أفضل” أو “أسوأ”، بل إن لكل جيل نقاط قوة وضعف.

ووفق التصنيف الغربي، هناك ستة أجيال مواكبة لوقتنا الحاضر، وقد تعاقبت هذه الأجيال منذ مطلع القرن العشرين كما يلي:

وأشارت دراسة في 2024 من كلية لندن الجامعية “يو سي إل”، إلى أن أبناء جيل طفرة المواليد وصولاً لجيل إكس كانوا أطول عمراً من أسلافهم مع التقدم في مجال الطب، إلا أنهم بوصولهم لعتبة الخمسينيات والستينيات من عمرهم، كانوا عرضة أكثر بمرة ونصف المرة من أسلافهم، للإصابة بالسرطان وأمراض الرئة ومشاكل القلب والسكري وارتفاع نسبة الكوليسترول والسمنة.

فروق مخيفة

وحاولت رهف حرفوش الخبيرة الدولية في الأنثروبولوجيا الرقمية – وهي اسم يتردد بقوة في المجال المتعلق بدراسة العلاقة بين الأدوات الرقمية وسلوكياتنا – أن ترسم ملامح جيل بيتا، إذ تقول لبي بي سي: “عندما أتخيل هذا الجيل في ظل المعطيات المتوفرة، أرى بشراً يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي مثلما نتعامل حاليا مع الكهرباء، على الأرجح سيتم تطويع سائر الأشياء من التعليم إلى الرعاية الصحية لتلبية احتياجاتهم بشكل فردي، لكن تلك التجربة الحياتية ستجعلهم تحت عدسة المجهر، لأن كل شيء سيتم التقاطه وتجميعه ومعالجته وتحليله لإنتاج عالم يبدو كلُ شيء فيه يتمحور حول الفرد”، وتضيف: “أتمنى لذلك الجيل الذي سينشأ في وقت ذروة التقنية، أن يحد من مفعول المراقبة الشاملة المخيفة التي ستحدث، وأن يتمسك بأسلوب حياة تشبه البشر، وأن لا يخضع للخوارزميات الذي ستحيطه من كل النواحي، وأن لا يفضلها على نظرائه من البشر”، ومعتبرة أن “العقيدة الإنسانية ستكون التحدي الحقيقي الذي سيواجهه جيل بيتا”.

وتضيف حرفوش أننا بدأنا بالفعل في معاينة ذلك، إذ أن هناك “لمحات لذلك العالم المستقبلي بعد أن برزت الهويات الرقمية، ومُزجت المساحات المادية بالافتراضية” في بعض جوانب حياتنا.

وتعتقد رهف أن هناك ما يشجع على وصف أجيال اليوم بأنها “الأكثر طلاقة عقلياً وعلى مستوى القدرة”، إلا أنها تنفي أن يكون هذا الوصف دقيقاً، إذ أن الأجيال الجديدة لديها “ألفة أو راحة حيال التنقل بين الأدوات الرقمية”، في حين أن “الأجيال السابقة لديها الصبر الكافي للحصول على الإجابات دون تسرع”، وبناءً على ذلك، أكدت أن ما نحتاجه اليوم هو جيل “هجين بين النمطين”، أي جيل على دراية واسعة بالتكنولوجيا، ولديه الصبر الكافي لحل أحجياتها.

وتعتقد رهف أن الفجوة بين الأجيال أمر طبيعي، لكنها ترى أنها أصبحت كبيرة في ظل “تحولات تحصل في لمح البصر”، و مؤكدة على أن التكنولوجيا على الرغم من أهميتها، ليست المقياس الوحيد للتعرف على حجم التغيير بين الأجيال.

وأوضحت رهف أن ذلك سيكون مسؤولية تنظيمية شاقة، ولكن “ليست مستحيلة” مشيرة إلى أنه “استطعنا التأقلم عندما استقبلنا الطاقة النووية، وأيضاً الإنترنت، لذلك فإن الحل سيكمن في التعاون العالمي لوضع أطر مشتركة تجنباً لأي فوضى رقمية خلال الأجيال القادمة”.

بين الماضي والحاضر

ولو أخذنا جيل الألفية كمثال غير بعيد زمنيا، فهو الجيل في يومنا هذا، صاحب الجغرافيتين المختلفتين تمامًا، إحداهما في الطفولة، عندما كان العالم عبارة عن الحيز الجغرافي المرئي المحدد الذي يعيش في نطاقه. أمّا الجغرافيا الأخرى كانت مرتبطة بالأساس بتلك الثورة التقنية التي أخذت تتطور بنسق تصاعدي مع نهاية مرحلة طفولته، واخرجته من حيز المتاح من حوله إلى الانطلاق في رحاب العولمة.

لقد كان الجيل الأخير الذي عاش الخصوصية المحلية التي نحتت طفولته ومارس أنشطة بطرق مبسطة وبشكل تفاعلي أكثر منه رقمي قبل التحولات التقنية التي فتحت العالم الشاسع بشكل لا يُصَدَّق.

لقد وجد مساحات هائلة مخصصة للأرشفة تختفي من تحت نظره ليتم تخزين كل شيئ على الحواسيب أولا. ثم بظهور الإنترنت تقلصت أوقات بحثه عن المعلومة وسط ملفات حقيقية أو حاسوبية. اليوم، يبصر أعضاء جيل الألفية بعيونهم المعلومات مخزنة في الفضاء السحابي وأنه ما من مشكلة في الوصول إلى مصادر المعلومة التي تنتقل بسرعة الضوء سيبرانيا بل في التحقق من سلامتها.

يقول عنه الخبراء أنه بمنطقة وسط بين طفولة انعدمت فيها مظاهر الرقمية على غرار الأجيال القديمة، تلك التي رأت الدنيا عندما كانت هدوءاً في هدوءـ وصباه الذي بوصوله لعتبته سافر في رحلة أخرى تتابعت فيها الأحداث الإلكترونيه. ويشكل هؤلاء حاليا الغالبية العظمى من سوق العمل حيث وجدوا أنفسهم أمام تحدي مواكبة التطورات ومجاراة مدرسة الحياة المختلفة ودمج خبرتهم وإرثهم القديم بكل ما هو جديد وإلا فاتهم القطار الذي يركبه جيل اليوم.

القادم فيما بعد

 

المصدر: BBC