كيف ساهمت أنظمة الإعلان الرقمي في تمويل استغلال الأطفال عبر الإنترنت؟

قدمت بعض أكبر شركات التكنولوجيا في العالم إعلانات على موقع إلكتروني عبر الإنترنت، يحتوي صوراً لإساءة معاملة الأطفال، ما ساعد في تمويل عملياته. مما يسلط الضوء على الجانب المظلم في الإعلان الرقمي.

في بعض الأحيان، تصادف صورة عبر الإنترنت مرعبة للغاية لدرجة أنك لا تستطيع أن تتجاهلها. بالنسبة لكريستوف فراناشيك، حدث ذلك في العمل.

يدير فراناشيك شركة أبحاث الإعلانات “أداليتكس-Adalytics”، ومقرها في الولايات المتحدة. مؤخراً، كان يدرس أين تنتهي إعلانات وزارة الأمن الداخلي الأمريكية عبر الإنترنت، وأخذه المشروع إلى موقع لمشاركة الصور يسمى “إيمج بي بي-ImgBB”.

بالإضافة إلى مواد الاستغلال الجنسي للأطفال، وثقت أداليتيكس إعلانات لأكثر من 70 منظمة كبرى وشركات ضمن قائمة “فورتشن 500”-تصنيف سنوي يضم أكبر 500 شركة أمريكية-، منشورة بجانب مواد إباحية للبالغين، بما في ذلك شركات “ماستركارد، نستله، ستاربكس، يونيليفر، وحتى حكومة الولايات المتحدة”.

في السابع من فبراير/شباط 2025، أرسل السيناتوران الأمريكيان مارشا بلاكبيرن وريتشارد بلومنثال خطابات إلى أمازون وغوغل، وشركات تكنولوجيا إعلانية أخرى مذكورة في التقرير، مطالبين بإجابات حول ما إذا كانت هذه المشكلة تمثل قضية واسعة النطاق عبر الإنترنت.

وجاء في الخطاب الموجه إلى غوغل: “إن نشر (مواد الاستغلال الجنسي للأطفال) جريمة بشعة تلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه بضحاياها. حين تضع شبكات المعلنين الرقميين مثل غوغل إعلانات على مواقع إلكترونية معروفة باستضافة مثل هذا النشاط، فإنها في الواقع تخلق تمويلاً يديم العمليات الإجرامية، والضرر الذي لا يمكن إصلاحه بحق أطفالنا”.

وفي حين أن بضع صور لانتهاكات بحق الأطفال على موقع إلكتروني واحد قد أثارت قلق الكثيرين، داخل وخارج هذا القطاع، فإنها توفر أيضاً لمحة عن بعض المشاكل الأوسع التي تصيب عالم الإعلان الرقمي الغامض.

ولسنوات، حذر المنتقدون من أن صناعة التكنولوجيا سوف تملأ جيوب جهات سيئة، عن غير قصد، عبر الإنترنت، دون إشراف تنظيمي جاد. ولا يزال المشرعون يحاولون اللحاق بالركب.

وفي الوقت نفسه، من السهل نسبياً على أي شخص إنشاء موقع ويب يمكنه جني الأموال من شبكات الإعلانات. يقول فراناشيك: “لا يكلف تشغيل موقع ويب يقدم بضعة ملايين من الصور شهرياً الكثير”.

تصر غوغل وأمازون ومايكروسوفت على التزامها بمكافحة الاستغلال الجنسي للأطفال، ومكافحة إساءة معاملتهم عبر الإنترنت. وتقول الشركات الثلاث إنها حظرت الآن موقع ImgBB وموقعه الفرعي “آي بي بي -IBB” من أنظمة الإعلان الخاصة بها.

وقال متحدث باسم غوغل لبي بي سي: “نحن نتبع سياسة عدم التسامح مطلقاً، عندما يتعلق الأمر بالمحتوى الذي يروج للإساءة الجنسية للأطفال واستغلالهم، وتم إنهاء كلا الحسابين المعنيين”.

وأضاف: “تراقب فرقنا باستمرار شبكة الناشرين التابعة لشركة غوغل بحثاً عن هذا النوع من المحتوى، ونحيل المعلومات إلى السلطات المختصة”.

الإعلانات هي الوقود الذي يغذي الإنترنت. تقول أفضل التقديرات إن الإنفاق على الإعلانات الرقمية بلغ أعلى مستوى على الإطلاق، في 2024 بقيمة 694 مليار دولار.

وتجلب صناعة التسويق مبالغ لا حصر لها لعملائها، وتُقدم غالبية الإعلانات على مواقع قانونية ومناسبة. في بعض الأحيان، يكون للمعلنين علاقة مباشرة بالمنصات التي تدير إعلاناتهم وتجارتهم. ولكن في معظم الأحيان، تكون العملية أكثر تعقيداً بكثير.

وفي كل مرة ترى فيها إعلاناً عبر الإنترنت، تقريباً، يكون ذلك نتيجة لسلسلة من عشرات المنصات والخدمات – بعضها يتنافس والبعض الآخر يتعاون – في عملية آلية تتم في أجزاء من الثانية.

تدير شركات أمازون وغوغل ومايكروسوفت شبكات إعلانية خاصة بها، لكن شبكات غوغل هي الأكبر على الإطلاق. إنها مهيمنة للغاية، لدرجة أن الشركة تحارب حالياً ادعاءات بممارسة احتكار غير قانوني. وترفض غوغل تلك الادعاءات، وتقول إنها تواجه منافسة شديدة في مجال الإعلان الرقمي.

وتضم شبكات الإعلانات هذه ملايين المواقع الإلكترونية في مخزوناتها. وعندما تقدم شبكة إعلانية إعلاناً، يحصل الموقع الإلكتروني على أموال. ولكن يمكن لأي شخص أن يربط موقعه الإلكتروني بشبكات الإعلانات، ويبدأ في جني الأموال. وهذا يعني أن الأمر متروك لشركة غوغل وشركات التكنولوجيا الأخرى، للقيام بالجهود الواجبة لضمان عدم عرض الإعلانات على مواقع إلكترونية تمول مشاريع إجرامية أو تضر بسمعة العلامات التجارية.

وتشمل القائمة مواقع إلكترونية تعرض “دعاية أجنبية (معادية)”، ودعوات إلى العنف العنصري، ومحتوى سياسي متطرف، ومواد إباحية، فضلاً عن المواقع الموجودة في بلدان تواجه عقوبات تجارية أمريكية مثل إيران وسوريا وروسيا.

ووفقاً لـ أرييل غارسيا، الرئيسة التنفيذية لمجموعة مراقبة الإعلانات الرقمية “Check My Ads”، فإن حوادث مثل هذه تكشف عن إحدى المشاكل الرئيسية في الإعلانات الرقمية، بأن الأنظمة التي تدير هذه الإعلانات معقدة للغاية بحيث يصعب على أي شخص معرفة ما يحدث بالفعل.

وتقول: “هذا ليس خطأ غير مقصود، إنها غير شفافة عمداً. صناعة تكنولوجيا الإعلان تستغل هذا التعقيد”.

وتقول غارسيا إن عدداً متزايداً من المعلنين يشكون من أن اللاعبين الكبار في مجال تكنولوجيا الإعلان يزودونهم بمعلومات أقل، وإن الافتقار إلى الشفافية يجعل من الصعب اكتشاف هدر الأموال والممارسات السيئة.

ويوضح متحدث باسم غوغل أن الشركة لديها سياسات صارمة، حول نوع محتوى المواقع التي يمكنها تشغيل الإعلانات، وتستخدم “أنظمة إنفاذ متطورة للغاية مدفوعة بالذكاء الاصطناعي”، بالإضافة إلى فرق من المراجعين البشريين لفرض هذه السياسات على نطاق واسع.

ويقول المتحدث إن غوغل تعطل تشغيل الإعلانات على المواقع، التي يُكتشف مثل هذا المحتوى فيها.

يقول أحد المسؤولين التنفيذيين عن الإعلان بإحدى شركات الرعاية الصحية الكبرى، التي ظهرت إعلاناتها على موقع ImgBB عبر شبكة إعلانات غوغل وأمازون: “ليس لدينا أي فكرة عن المكان الذي تذهب إليه إعلاناتنا. ليست هناك ثقة على الإطلاق”.

وطلب المسؤول التنفيذي عدم الكشف عن هويته، لأنه غير مخوّل بالتحدث في هذا الشأن.

وأضاف: “أمازون وغوغل مسؤولان عما يوجد داخل مخزونهما. ربما نتمنى أن تكون إزالة محتوى مثل هذا هي الأولوية رقم واحد”.

ويقول متحدث باسم شركة ستاربكس إن الشركة لديها نهج قوي، لضمان تشغيل إعلاناتها على المواقع التي تتوافق مع معايير المسؤولية الاجتماعية. وتقول الشركة إنها تضمن خضوع شركائها من وسائط الإعلام لعمليات تدقيق نصف سنوية.

يقول متحدث باسم أمازون: “نأسف لحدوث هذا الأمر، واتخذنا إجراءات سريعة لمنع هذه المواقع من عرض إعلاناتنا. لدينا سياسات صارمة ضد عرض الإعلانات على محتوى من هذا النوع، ونحن نتخذ خطوات إضافية للمساعدة في ضمان عدم حدوث ذلك في المستقبل”.

يقول متحدث باسم مايكروسوفت إن الشركة لا تسمح بالإعلان على المحتوى الذي ينتهك سياساتها، ومن ضمنه المحتوى الذي ينشئه المستخدم، والذي لا يخضع للتنظيم أو التعديل بشكل كافٍ. وتقول الشركة إنها تتخذ إجراءات فورية عندما تكتشف أي انتهاكات.

غوغل وأمازون ومايكروسوفت ليست الشركات الوحيدة التي قدمت إعلانات على موقع ImgBB. إذ وجدت أداليتيكس شبكات إعلانية تديرها قائمة من الشركات الأخرى الأصغر، التي عرضت إعلانات على الموقع أيضاً.

ومع ذلك، فإن هيمنة غوغل على صناعة الإعلانات تعني أنه يجب أن يتحمل نسبة كبيرة من اللوم، كما تقول لورا إيدلسون، أستاذة علوم الكمبيوتر التي تدرس الاقتصاد الرقمي في جامعة نورث إيسترن في الولايات المتحدة.

وتقول: “لا أحد مسؤول عن هذا أكثر من غوغل. بالتأكيد، قد يكون من الصعب إصلاح هذه الأشياء. لهذا السبب تحصل غوغل على الكثير من المال. هذه مجرد مشكلة هندسية – إنها من نوع المشاكل التي يحلونها كل يوم. يجب محاسبة غوغل. هذا يضر بمجتمعنا”.

 

المصدر: BBC