لماذا تطور البشر مع التكنولوجيا عبر الزمن؟

تتمتع علاقتنا بالتكنولوجيا بتاريخ أعمق بكثير مما تبدو عليه، وفقا لمقولة الفيلسوف والمؤلف توم تشاتفيلد في كتابه “حيوانات حكيمة”.

ويقول عالم الكمبيوتر، آلان كاي: “التكنولوجيا هي أي شيء جرى اختراعه، أي شيء غير ذلك، هو مجرد أشياء بالنسبة لك”.

ثمة بعض الحقيقة في هذا الطرح، فعندما يُطلب من أشخاص تحديد اسم تقنية ستغير العالم، يلجأ كثيرون منهم إلى ذكر شيء حديث مثل الذكاء الاصطناعي أو الهواتف الذكية أو الإنترنت، أما الأدوات الأقدم، مثل الأدوات الحجرية، يكون من الصعب أن ترد على ذهن أحد.

وعلى الرغم من ذلك إذا أردنا أن نفهم تكنولوجيا اليوم بشكل أفضل، فنحن بحاجة إلى النظر في علاقتنا الطويلة الأمد معها، كما يقول الفيلسوف والمؤلف توم تشاتفيلد.

تحدث ديفيد روبسون، محرر الشؤون العلمية لبي بي سي، مع تشاتفيلد بشأن علاقة أسلافنا بالتكنولوجيا، وكيف أصبحت امتدادا لعقولنا، وما هي الأفكار التي يمكن أن نستخلصها بشأن الابتكارات التي نشهدها اليوم.

التكنولوجيا تشاركنا في كل ما نقوم به، في سياساتنا، وعلاقاتنا الشخصية، وتعليم أطفالنا، ومستقبل كوكبنا، من هذا المنطلق، من المهم جدا بالنسبة لي أن يكون لدينا طريقة ثرية ومتعددة الأوجه للحديث بها عن التكنولوجيا والتفكير بشأنها لكونها تدخل في نطاق الأنشطة البشرية بالكامل.

نظرت بعمق في عصور ما قبل التاريخ والتطور البشري، كجزء من بحثك، ما الذي يجب أن نعرفه عن علاقة أسلافنا بالتكنولوجيا؟

عندما بدأ أسلافنا القدامى بصناعة أدوات حجرية دقيقة، ثم بدأوا بعد ذلك بوضع استراتيجيات البقاء من خلال إشعال النار وتسخير الحرارة الاصطناعية، انتقلوا إلى أماكن لم تكن فيها الخبرة التكنولوجية ومجموعات المعرفة بالشيء الاختياري، إذ كانت استراتيجية البقاء مبنية على المعرفة بين الأجيال، وكان التكيّف من خلال التنشئة، وليس من خلال الطبيعة.

أنت ترى أن التكنولوجيا أصبحت الآن متشابكة للغاية مع هويتنا لدرجة أنها أصبحت امتدادا لعقولنا، فما هي القضايا الأخلاقية التي تنتج عن ذلك؟

أستعير هذا المفهوم من فلاسفة أمثال آندي كلارك وديفيد تشالمرز، لقد أوضحوا أن العقل البشري، من نواح عديدة، يمتد فعليا إلى جوانب البيئة المحيطة به، فعندما أكتب أشياءاً، أو حتى عندما أستخدم أصابعي للعد، فإنني أستعين بمصادر خارجية لأحد جوانب الإدراك. ويحدث الشيء نفسه عندما أستخدم الكمبيوتر للتعامل مع الأشكال على الشاشة لمعرفة إذا كانت ستتناسب معا أم لا أو ستتناسب مع مساحة معينة أم لا.

يرتبط جانب كبير من قدراتنا العقلية أو المعرفية بالعالم الذي صنعه الإنسان، وأخلاقيات هذه الأشياء والقيم الموجودة فيها مهمة للغاية. فعلى سبيل المثال، يمكنني نظريا الاستعانة بمصادر خارجية في الكثير من مهام تربية الأطفال والاستعانة بالأنظمة الآلية، إذ يمكنني تركيب كاميرات مراقبة مع التحكم في المناخ والذكاء الاصطناعي، ويمكنني مراقبة أطفالي في غرفهم من خلال تقنية التعرف على الوجه، وعندما يشعرون بالحزن، يمكن أن يصدر الذكاء الاصطناعي أصواتا تضفي عليهم البهجة، أو يمكن أن يستمعوا لقصة عندما يستعدون للنوم.

من الواضح إلى حد ما أن هذا سيناريو مروع، لأنه من خلال الاستعانة بمصادر خارجية لهذه الأشياء، فإنني أنسحب تماما من علاقة الرعاية المتبادلة والمحبة مع أطفالي.

أرى أننا بحاجة إلى “مفاوضات” واعية ومستنيرة مع التكنولوجيا التي تحيط بنا، ومناقشة ما نريده من العالم الذي صنعه الإنسان، ولماذا نريده، وأي منها قد لا تتماشى مع ازدهار الإنسان. إنها محادثات مهمة للغاية، يجب ألا نخشى من استخدام لغة القيم والمشاعر والأخلاق عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا.

المعنى الدقيق للسؤال هو، ما هي المهام الخطيرة أو المملة أو المهينة أو المتكررة التي نسعد بالاستعانة في إنجازها بمصادر خارجية، وما هي المهام التي نشعر أنه من المهم القيام بها بأنفسنا أو بواسطة بشر آخرين؟

فإذا كنت أمثُل أمام محكمة في دعوى قضائية، فلا أريد بالضرورة أن تصدر الخوارزمية حكما عليّ، حتى لو كانت الخوارزمية عادلة جدا بشكل واضح، لأن هناك شيئا ما يتعلق بالتضامن الإنساني في المجتمع، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالحكم على أشخاص آخرين.

كما أفضّل في بيئة العمل إقامة علاقة مع زملاء لي من البشر، والتحدث مع آخرين وتقديم نفسي لهم، عن مجرد إنجاز العمل بكفاءة أكبر.

يوجد خطر مزدوج من “أنسنة” الآلات، الخطر الأول هو أن نتعامل معها كأنها بشر، ونسقط شخصيات ونوايا وأفكار على الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من أن هذه الأنظمة متطورة للغاية، إلا أنها لا تمتلك أي شيء يشبه الحس البشري، فمن الخطورة جدا التصرف والاعتقاد كما لو أنها تفعل ذلك.

مبدئيا هذه الآلات لا تملك رؤية شاملة مترابطة، إنها أشكال رائعة من أدوات التغذية التلقائية، تعمل من خلال التعرف على الأنماط، وتعمل على التنبؤ. وإن كان هذا أمرا قويا جدا، إلا أنها تميل إلى التشوش واختلاق تفاصيل غير موجودة، وغالبا ما تحتوي على أشكال مختلفة من أنماط التحيز أو الاستبعاد بناء على مجموعة تدريب محددة.

بيد أن الذكاء الاصطناعي يمكنه الاستجابة بسرعة وبشكل معقول لأي شيء، ونحن البشر، نميل جدا إلى ربط السرعة والمعقولية بالحقيقة، وهذا شيء خطير للغاية.

الخطر الثاني وراء “أنسنة” الآلات هو أنها يمكن أن تقودنا إلى التفكير في أنفسنا ومعاملتنا كما لو كنا آلات، بيد أننا لا نشبه القوالب اللغوية على الإطلاق، فنحن مخلوقات عاطفية لها عقول وأجساد تتأثر بشدة ببيئتها المادية، وبصحتها الجسدية ورفاهيتها.

وربما الأهم من ذلك، لا ينبغي لنا أن ننظر إلى كفاءة الآلة كنموذج دال على ازدهار الإنسان وتقدمه. نحن لا نريد الارتقاء بأنفسنا عن طريق مكونات مثالية، في إطار نظام أوسع قائم على دراسة النتائج والعواقب.

 

المصدر: BBC
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments