في موقع صناعي شرقي تايلاند، تفرز ثيتيباس شودايتشاتشينون أكواماً من الخردة المعدنية، واللوحات الإلكترونية، ولوحات مفاتيح الحواسيب القديمة داخل مستودع ضخم يقع بمحاذاة طريق سريع مزدحم.
تماماً كما يفعل خبراء الأدلة الجنائية، تقوم هي وفريق المفتشين التابع لوزارة الصناعة التايلاندية بأخذ عينات من النفايات وتعبئتها بعناية في أكياس مخصصة لنقلها لاحقاً إلى التحليل.
تقول في ختام حديثها: “الكثير من هذه المواد تُصنّف بوضوح على أنها نفايات إلكترونية، والشركة المالكة لهذا الموقع لا تملك ترخيصاً لمعالجتها. وهذه المشكلة تتفاقم في تايلاند”.
وترأس شودايتشاتشينون فريقاً خاصاً تابعاً للوزارة يهدف إلى التعامل بجدية مع مشكلة النفايات الإلكترونية المتفاقمة في تايلاند.
يدخل قدر كبير من هذه النفايات إلى البلاد من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذ غالباً ما يُحدّث المستهلكون هناك هواتفهم المحمولة وأجهزة الحواسيب بانتظام، كما أن معدلات استخدام الأجهزة الكهربائية مثل: الثلاجات والغسالات مرتفعة على مستوى الفرد.
ورغم أن معظم دول الغرب تطبق قوانين تستهدف منع تصدير النفايات الإلكترونية إلى دول أخرى، فإن هناك طرقاً للالتفاف على هذه القوانين. فعلى سبيل المثال، يُعاد تصنيف بعض النفايات عمداً على أنها “أجهزة إلكترونية مستعملة مخصّصة لإعادة البيع”، لكنها تُفكك ويُعاد تدويرها وصهرها فور وصولها إلى وجهتها النهائية.
وتُعد عمليات الصهر نشاطاً ملوثاً بطبيعته، إذ تتسبب في انبعاثات الزئبق والرصاص وأبخرة سامة إلى البيئة. لكنها في الوقت نفسه تُدّر أموالاً كثيرة. وتُقدّر إيرادات هذا النشاط بملايين الدولارات نتيجة بيع النحاس، والذهب، ومعادن ومواد ثمينة أخرى تنتج عن الصهر.
وقال وزير الصناعة التايلاندي أكانات برومفان لبي بي سي في بانكوك: “تايلاند لا تجني شيئاً من هذه الأنشطة التجارية”.
وأضاف أن مصانع إعادة التدوير غير المرخصة -التي تعود ملكية العديد منها لمستثمرين صينيين- حوّلت البلاد إلى ما يشبه “مكب نفايات عالمي، أو منشأة دولية لمعالجة القمامة” على الأراضي التايلاندية.
وأشار برومفان إلى أن أغلب هذه المعادن تُصدّر إلى الصين.
وقد يكون الأثر البيئي لهذا العمل مدمراً.
وفي قطعة أرضه الصغيرة بشرق تايلاند، يقول سينغ وونغسينا البالغ 57 عاماً، لبي بي سي إن المياه الملوثة المتدفقة من مسبك معادن قريب أفسدت محصوله من الكسافا (وهو نبات يستخرج من جذوره أو درناته نشا مغذي). ويضيف: “النباتات لم تعد تُزهر كما كانت من قبل”، مُعرباً عن استيائه من أن الرائحة الكريهة التي تنبعث من المسبك باتت تمنعه من النوم ليلاً.
وقال نشطاء بيئيون محليون إن المصنع يعمل بشكل غير قانوني، وإنّهم طالبوا السلطات المحلية بإغلاقه فوراً.
وأطلق ناشطون بيئيون دوليون حملات بشأن هذه القضايا في إطار جهود متزايدة للضغط من أجل حلول أكثر استدامة ومسائلة عالمية.
وقال جيم باكيت، المدير التنفيذي لشبكة بازل للعمل، وهي منظمة غير حكومية تعارض شحن النفايات السامة: “تحمّلت تايلاند العبء الأكبر من هذه المشكلة”.
ومعركة تايلاند ضد النفايات الإلكترونية ليست سوى فصل من مشكلة عالمية أوسع نطاقاً.
وفقاً للأمم المتحدة، ينتج العالم أكثر من 60 مليون طن من النفايات الكهربائية والإلكترونية سنوياً- أي ضعف الكمية التي كانت تُنتج قبل 15 عاماً. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الكمية بأكثر من 30 في المئة بحلول نهاية العقد الحالي.
وتقول الأمم المتحدة إن أقلّ من ربع هذه النفايات يُجمع ويُعاد تدويره بطريقة مسؤولة، وإن وتيرة إعادة التدوير لا تواكب الوتيرة المتسارعة لإنتاج هذه المخلفات.
وتعتزم تايلاند أن تحذو حذو دول أخرى فيما يتعلق بسن قانون خاص بها في هذا الشأن.
وقال وزير الصناعة التايلاندي برومفان: “آمل أن يُسنّ هذا التشريع الجديد في أقرب وقت ممكن- ربما مع نهاية هذا العام أو مطلع العام المقبل. وأنا ملتزم تماماً باتخاذ إجراءات حاسمة ضد هذه الأنشطة غير القانونية والعمل على القضاء عليها بالكامل”.