يحظى الطعام الحار بشعبية كبيرة جدا، على الرغم من محاولات الجسم نقل رسالة مفادها أنه يجب التخلص منه في أسرع وقت ممكن، وذلك بالدموع والتعرق ووظائف الجسم الأخرى كلها. فما ما السبب وراء هذه الشعبية ولماذا يستمتع الناس به رغم هذه الأحاسيس؟
يقول ليام براون، الأستاذ المشارك في كلية لندن الجامعية في المملكة المتحدة والمتخصص في علم الأعصاب المتعلق بالإدراك الحسي والألم لصحيفة الغارديان البريطانية: “يرتبط الكابسيسين -وهو مركب موجود في الفلفل- بمستقبل في الجسم يسمى تريب في 1 (TRPV1)، وهو موجود في فئة متخصصة من الخلايا العصبية تسمى مستقبلات الألم، والتي عادة ما تكتشف الأشياء التي قد تلحق الضرر بالجسم”.
يشبه الأمر انطلاق إنذار حريق صغير ينشّط أجزاء من الجهاز العصبي اللاإرادي، الذي ينظم وظائف جسدية لا إرادية مختلفة دون سيطرة واعية.
ويضيف براون: “هذا ما يؤدي إلى كل هذه التأثيرات الفسيولوجية، مثل البكاء والتعرق وسيلان الأنف. إنه محاولة من جسمك للتخلص من المهيج”.
ينشَّط جين تريب في 1 أيضا بعوامل أخرى، مثل ارتفاع درجة حرارة الجسم فوق 42 درجة مئوية – وهي النقطة التي تصبح فيها الحرارة مضرة بالأنسجة – و التعرض للبيبيرين، المكون النشط الرئيسي في الفلفل الأسود، والذي يعطي استجابة أخف بكثير.
تنشِّط أطعمة حارة أخرى (ولكن ليست حارة تماما) مستقبلات مختلفة، يتعامل تريب إيه 1 (TRPA1) مع الخردل والفجل، بينما يكون تريب إم 8 (TRPM8) مسؤولا بشكل رئيسي عن درجات الحرارة الباردة والمنثول.
يقول براون: “يمكنك في الواقع العثور على مواد كيميائية أخرى لها تأثير أقوى بكثير من الكابسيسين على تريب في 1، موجودة في نبات واحد، وهو نبات الفربيون الراتنجي”.
يحتوي نبات الفربيون الراتنجي على ريسينيفيراتوكسين (resiniferatoxin)، وهو مركب يشبه الكابسيسين، وغالبا ما يوصف بأنه أقوى بحوالي 1000 مرة، وهو خطير حقا.

إنذار أولي
أول دليل على تناول الناس للفلفل الحار يعود إلى حوالي 7000 سنة قبل الميلاد في المكسيك وأمريكا الوسطى.
لم يدخل الفلفل إلى أوروبا حتى القرن السادس عشر تقريبا، لكنه شعبيته ازدهرت منذ ذلك الحين. ويتوقع أن تبلغ قيمة سوق الصلصة الحارة العالمية 5 مليار دولار بحلول عام 2030.
يقول براون: “لا تزال الأبحاث جارية حول كيفية تعلم أدمغة البشر لما هو آمن وغير آمن، بما في ذلك الأطعمة الآمنة للاستهلاك. تؤكد الأبحاث الحديثة على التنبؤ والسياق والقدرة على التحكم. الفكرة هي أنه عندما تأكل شيئا حارا، تتلقى إشارة ‘حرارة ‘ أولية تشبه الإنذار. مع التعرض المتكرر، تتضاءل الاستجابة الطرفية، ويتعلم الدماغ أن الإشارة آمنة وتحت السيطرة. هذا التحول في التنبؤ واليقين هو جزء كبير من سبب كون التجربة مقبولة، ثم مجزية”.
يضيف براون: “هناك أيضا فكرة إعادة التقييم، أو حقيقة أننا من خلال التعرض والتجربة، نعيد صياغة معنى ما يمثله الألم، ونعتقد أنه آمن لنا بالفعل. هذا الشعور بالسيطرة والإتقان مهم، بالإضافة إلى الجانب الاجتماعي والثقافي للقيام بذلك مع عائلتك أو أصدقائك”.
كما هو الحال مع التجارب غير السارة الأخرى في البداية – مثل الجري أو الاستحمام بالماء البارد أو حمامات الساونا الساخنة – فإن الاستمرار في تحمل الألم الأولي يحفز الجسم أيضا على إفراز الإندورفين، مما يمنح نوعا من السعادة الخفيفة.
المصدر: الجزيرة