أقسم بالله أنني بحاجة إلى المساعدة”، قال الرجل بهدوء على الطرف الآخر من خط الهاتف.
قال الإثيوبي، الذي يطلق على نفسه اسم مايك، إنه محتجز مع 450 آخرين في مبنى داخل ميانمار، على حدود البلاد مع تايلاند.
وهم من بين آلاف الأشخاص، الذين تم تحريرهم من مراكز الاحتيال الإلكتروني سيئة السمعة، التي ازدهرت على الحدود لسنوات، فيما يبدو أنه الإجراء الأكثر صرامة حتى الآن ضد هذا النشاط على طول الحدود بين ميانمار وتايلاند.
مايك هو واحد من نحو 100 ألف شخص، يُعتقد أنه تم إغرائهم بالعمل في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت على طول الحدود بين ميانمار وتايلاند، والتي يدير معظمهما عملاء احتيال ومقامرة صينيون، استغلوا انعدام القانون في هذا الجزء من ميانمار.
على الرغم من الروايات المروعة عن إساءة معاملة أولئك الذين فروا في الماضي، لا يزال الآلاف يأتون من أجزاء من العالم حيث الوظائف الجيدة نادرة، تحت إغراءات ووعود المال الجيد.
لقد عملت الصين، التي يأتي منها العديد من ضحايا الاحتيال، على إغلاق مراكز عمليات الاحتيال على طول حدودها مع ميانمار، ولكن حتى هذا العام لم تفعل الصين ولا تايلاند الكثير بشأن الحدود بين تايلاند وميانمار.
لقد عاد أريان، وهو شاب من بنغلاديش، إلى تايلاند لمحاولة مساعدة 17 صديقا له ما زالوا هناك. وقال إنه قطع وعداً على نفسه بالقيام بذلك، بعد هروبه الشاق من أحد أكثر مراكز الاحتيال سيئة السمعة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
يقول: “لقد حددوا لنا هدفا يجب تحقيقه كل أسبوع، 5000 دولار. وإذا لم نحققه، كانوا يعطوننا صدمتين كهربائيتين. أو يضعونا في غرفة مظلمة، بدون نوافذ. ولكن إذا كسبنا الكثير من المال، يكونوا سعداء جداً بنا”.
كان على أريان أن يتواصل مع رجال في الشرق الأوسط، ويغريهم بتحويل الأموال إلى استثمارات وهمية. وباستخدام الذكاء الاصطناعي، جعله المحتالون يظهر على الشاشة في هيئة امرأة شابة جذابة، كما قاموا بتغيير صوته.
ويقول إنه كان يكره القيام بذلك. ويتذكر رجلاً كان على استعداد لبيع مجوهرات زوجته لتمويل الاستثمار الوهمي، وكان يتمنى لو كان بإمكانه تحذيره. لكنه قال إن الرؤساء كانوا يراقبون جميع مكالماتهم.
بدأ إطلاق سراح العمال المحتالين منذ أكثر من أسبوعين بعد أن قطعت تايلاند، تحت ضغط من الصين وبعض ساستها، إمدادات الطاقة والاتصالات عن المراكز على الحدود.
وقد أثر ذلك على العمل، ولكنه أثر أيضاً على عامة الناس من شعب كارين – وهي مجموعة إثنية من شعب ميانمار – الذين يعيشون بالقرب منه بشكل أكبر، ما وضع ضغوطا على قادة الجماعات المسلحة لإظهار الاستعداد لإنهاء الانتهاكات في مراكز الاحتيال. لقد بدأوا في مساعدة أولئك الذين يحاولون الهروب، وإخلاء بعض المراكز بالكامل.
المخيم الذي يسكنه مايك يحرسه الآن جيش كارين الديمقراطي الخيري، وهو فصيل منشق عن مجتمع كارين العرقي.
حتى وقت قريب، كان يحمي العديد من المراكز الاحتيالية التي كانت في أراضيه. يمكنك رؤيتهم بسهولة أثناء قيادتك على طول نهر “موي” الذي يفصل بين الدولتين – مساحات شاسعة من المباني الجديدة في ولاية كارين التي مزقتها الحرب، تتناقض مع المناظر الطبيعية الريفية على الجانب التايلاندي من الحدود.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم نقل مجموعة من 260 عاملاً محرراً على متن قارب عبر نهر “موي”. وتم نقل حوالي 621 مواطناً صينياً جواً مباشرة إلى الصين، بمرافقة الشرطة على متن طائرات مستأجرة. بخلاف ذلك، يبدو أن حركة العمال المحررين إلى تايلاند قد توقفت.
المشكلة هي أنهم ينتمون للعديد من الدول المختلفة، وبعضها لا يفعل الكثير لمساعدة مواطنيه في العودة إلى ديارهم. وكان نحو 130 من أول 260 عاملاً وصلوا هم من إثيوبيا، التي ليس لديها سفارة في بانكوك.
تخشى تايلاند أن تضطر إلى رعايتهم إلى أجل غير مسمى، بعد جلب آلاف الأشخاص إليها. كما تريد فحصهم (أمنياً) لمعرفة من هم الضحايا الحقيقيون للاتجار بالبشر، ومن منهم ربما يكونوا قد ارتكبوا أعمالاً إجرامية، لكنها لا تملك القدرة على القيام بذلك مع مثل هذه المجموعة الكبيرة من الناس.
تشارك وزارات تايلاندية ووكالات مختلفة، بما في ذلك الجيش، في إدارة هذه المشكلة، ويتعين عليهم الاتفاق على من يقوم بماذا. ومما لا يساعد في هذا الأمر أن العديد من كبار ضباط الشرطة والهجرة جرى نقلهم بسبب تورطهم المزعوم في أعمال الاحتيال.
قالت رئيسة الوزراء التايلاندية، بيتونغتارن شيناواترا، يوم الثلاثاء في بانكوك: “إذا لم يتم حل هذه القضية، فلن نتوقف عن العمل عليها – يجب أن نعمل بجدية”. لكنها كانت تشير إلى المشكلة الأوسع نطاقاً المتمثلة في أعمال الاحتيال، وليس الأزمة الإنسانية المتنامية بين العمال المحررين.
يقول جوداه تانا، وهو أسترالي يدير منظمة غير حكومية تساعد منذ سنوات ضحايا الاتجار بالبشر، الذين تم جلبهم إلى مراكز الاحتيال وتمكنوا من الفرار لاحقاً: “للأسف، يبدو أننا في حالة جمود”.
ويضيف: “نسمع معلومات مؤلمة عن نقص الصرف الصحي والمراحيض. تم فحص العديد من الـ 260 الذين وصلوا بالفعل بحثاً عن مرض السل، وثبتت إصابة بعضهم. نسمع من أولئك الذين ما زالوا بالداخل أن الناس يسعلون الدم. إنهم سعداء للغاية لأنهم تحرروا من مراكز الاحتيال، لكن ما يقلقنا هو أننا لا نتحرك بالسرعة الكافية”.
لكن ومع هذا، لا يزال أكثر من 7000 شخص داخل ميانمار، غير متأكدين مما سيحدث لهم الآن.
أخبرني مايك أنه والعديد من الأشخاص الآخرين معه يخشون أنه إذا لم يُسمح لهم بالعبور إلى تايلاند قريباً، فقد يعيدهم جيش كارين الديمقراطي الخيري إلى زعماء الاحتيال، حيث قد يواجهون عقوبات لمحاولتهم المغادرة.
في ليلة الأربعاء، قال إن نوبات الهلع أصابته وعانى صعوبة شديدة في التنفس، لدرجة أنهم نقلوه إلى المستشفى.
وقال عبر الهاتف: “أريد فقط العودة إلى المنزل. أريد فقط العودة إلى بلدي. هذا كل ما أطلبه”.