موسم رمضان لهذا العام في مصر كان حافلاً، لكنه مختلف. تصاعد الجدل فيه على خلفية مسلسلات رأى البعض أنها ابتعدت عن “الضوابط المجتمعية”.
دفع هذا الجدل الدولة إلى التدخل؛ فأٌعلن عن تشكيل لجان جديدة وعن مؤتمر مرتقب لإعادة تقييم مسار الدراما المصرية.
لم يُوضّح أي مسؤول ما المقصود بالـ”ذوق العام” – مما فتح باب التفسيرات المختلفة.
كما فتح الباب أمام الخوف من ممارسة المزيد من الرقابة على الأعمال الفنية.
لاحقاً، وأمام جمهور “لقاء المرأة المصرية والأم المثالية”، استعرض الرئيس تحولات المشهد الدرامي في البلاد، قائلاً إن الدراما المصرية كانت صناعة مدعومة من الدولة، تتحرك وفق أهداف مجتمعية وضعها متخصصون في الإعلام وعلم النفس والاجتماع، لتلعب دوراً في صياغة الوعي العام.
تحتوي هذه الصفحة على محتوى من موقع Google YouTube. موافقتكم مطلوبة قبل عرض أي مواد لأنها قد تتضمن ملفات ارتباط (كوكيز) وغيرها من الأدوات التقنية. قد تفضلون الاطلاع على سياسة ملفات الارتباط الخاصة بموقع Google YouTube وسياسة الخصوصية قبل الموافقة. لعرض المحتوى، اختر “موافقة وإكمال”
تحذير: بي بي سي غير مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية المحتوى في موقع YouTube قد يتضمن إعلانات
نهاية YouTube مشاركة
المحتوى غير متاح
YouTube اطلع على المزيد فيبي بي سي ليست مسؤولة عن محتوى المواقع الخارجية.
ما الذي أزعج الناس؟
وبعد توجيهات الرئيس المصري، أعلن رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، تحركاً فورياً، كاشفاً عن تشكيل “مجموعة عمل متخصصة لصياغة رؤية واضحة للمستقبل تساهم في تعزيز الرسائل الإيجابية للإعلام والمسرح المصري تجاه الفرد والمجتمع”.
ستجمع المجموعة الجديدة “كل الجهات المعنية بالإعلام والدراما في مصر”، بما في ذلك وزارة الثقافة، والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، إلى جانب مجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، وشركات إنتاج مستقلة أخرى.
علماً أن المتحدة للخدمات الإعلامية أو “يونايتد ميديا” تعد الذراع الإعلامية الأكبر في البلاد، حيث تشرف على إنتاج وتوزيع غالبية الأعمال الدرامية والسينمائية المعروضة على القنوات المصرية.
ومن المعروف أن المجموعة تملك محفظة من القنوات الفضائية والمنصات الرقمية المؤثرة، وتلعب دوراً مركزياً في تشكيل الخريطة الدرامية الرمضانية.
لم تحدد الجهات الرسميّة مسلسلات بعينها، لكن اتفق كثير من الإعلاميين والنقاد على تسمية عدد منها.
فمثلاً، تعتقد الناقدة ماجدة خيرالله، أن أربعة مسلسلات هي التي كانت وراء كل هذه الأزمة: “إش إش”، “العتاولة 2″، “فهد البطل”، و”سيد الناس”.
وتقول في مقابلة مع بي بي سي عربي: “لم أعد أشاهد هذه المسلسلات، في البداية أعطيت كل منها فرصة متابعة لخمس حلقات، لكنني شعرت بأن مشاهدتها مضيعة للوقت”.
الأمر الذي وجدته الناقدة المعروفة مزعجاً كان مشاهد الصراخ الدائم؛ إذ ترى أن هذا الأمر “غير منطقي ولا يحصل في الحياة العادية”.
وانزعجت كثيراً من ربط مسلسلات الأحياء الشعبية بالـ”بلطجة والشرشحة”.
ففي حين اختارت بعض المسلسلات تقديم مشاهد الحارات الشعبية من خلال ضجيج صاخب، وشتائم متكررة، وانفعالات مبالغ فيها، أثبتت أعمال أخرى أن الحي الشعبي لا يعني بالضرورة الفوضى.
تُشيد خيرالله، على وجه الخصوص، بمسلسل “أولاد الشمس”، الذي – برأيها – “قدّم دراما هادئة ومنطقية”، وأعطى فرصة ظهور نجمين شابين هما أحمد مالك وطه الدسوقي.
وترى خيرالله أن ما يُميّز هذه الأعمال هو احترامها لعقل المشاهد، وانطلاقها من أساسات فنية متينة، موضحة: “العمل الفني لابد أن يُبنى على كتابة راقية، وعلى مخرج واعٍ يفهم من هو جمهوره المستهدف. في النهاية، الدراما تدخل بيوت الناس، ويجب أن تحترم هذا الأمر”.
رغم تصاعد موجة النقد التي رافقت موسم رمضان الدرامي هذا العام، لا ينكر عضو لجنة الدراما في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، زين العابدين شبلي، في مقابلته مع بي بي سي عربي، وجود أعمال تستحق الثناء.
لكنّ شبلي يرى أن تأثير بعض الأعمال، التي اتُّهمت بالإسفاف والعنف اللفظي، طغت على هذه التجارب الإيجابية.
مشهد تنظيمي مربك
مع تصاعد الجدل الرسمي حول مضامين الأعمال الدرامية في مصر، دخلت ثلاث لجان مختلفة على خط المشهد، لكل منها تبعيتها المؤسسية ومهامها الخاصة، ما أطلق نقاشاً واسعاً حول طبيعة هذه الكيانات وحدود تدخلها.
أحدث هذه اللجان جاءت بتكليف مباشر من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وتعمل تحت مظلة رئاسة مجلس الوزراء. اللجنة وُصفت بأنها “مجموعة عمل متخصصة لصياغة رؤية واضحة للمستقبل”، هدفها وضع تصور شامل لدور الدراما في تعزيز القيم المجتمعية، بمشاركة جهات حكومية وإعلامية وإنتاجية، أبرزها وزارة الثقافة، المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الهيئة الوطنية للإعلام، والمجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، إلى جانب عدد من شركات الإنتاج الخاصة وخبراء مستقلين.
سألنا المكتب الإعلامي في وزارة الثقافة المصرية عن هذه اللجنة فأوضح أنه لا تشكيل رسمي بعد لها، ولا شيء في جعبتهم للحديث عنه بعد حول هذه اللجنة غير ما ورد على لسان رئيس الحكومة.
أما المجلس القومي لحقوق الإنسان، فواصل العمل عبر لجنة درامية مستقلة يرأسها الناقد طارق الشناوي، تتابع الإنتاج الدرامي من زاوية حقوقية وثقافية، مركزة على صورة الإنسان في الدراما المصرية والقضايا المرتبطة بالكرامة الإنسانية.
هذا التداخل بين اللجان أثار تساؤلات حول طبيعة التنسيق بينها، خاصة في ظل اختلاف المهام والمرجعيات. وفي مقابلة مع بي بي سي عربي، أوضح زين العابدين شبلي، عضو لجنة الدراما التابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أن اللجنة التي ينتمي إليها “تلتزم بمهام محددة تشمل رصد ومتابعة الأعمال بعد العرض، وضبط الأداء المهني وفقاً للتعليمات الصادرة عن المجلس، مع رفع توصيات إلى صناع القرار”، مؤكداً أن اللجنة ليست جهة رقابية سابقة على الإنتاج أو التصوير.
وفي مقابل هذه اللجنة ذات الطابع التنظيمي، يرى شبلي أن اللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء تمثل جهة تخطيط أوسع نطاقاً، تعمل على رسم ملامح مستقبلية لصناعة الدراما المصرية. ويشير إلى أن لجاناً أخرى، كالمجلس القومي لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية للإعلام، تتناول المشهد الدرامي من زوايا مهنية وثقافية وحقوقية متنوعة.
ويعلّق شبلي على المشهد بالقول إن “وجود لجان متعددة ليس بالأمر المستجد في مصر”، لكنه يعترف بأن “تزامن هذه المبادرات قد يربك المشهد لدى المتابعين”. رغم ذلك، يضيف أن “وجود منصات نقاش متعددة قد يكون مفيداً، شريطة ألا تؤدي إلى تضييق على حرية الإبداع”.
الرقابة على الدراما في مصر لا تقتصر على اللجان المشكلة حديثاً. فالأعمال الفنية تمر عبر جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وهو جهاز حكومي مخوّل بمنح الموافقات على ما يُعرض من مسلسلات وأفلام.
يشرح شبلي أن نظام الرقابة يمر بمرحلتين: الأولى تتعلق بمراجعة النصوص قبل التصوير، والثانية تتم بعد الانتهاء من التصوير والمونتاج. لكنه يلفت إلى أن هذا النظام “لم يُطبق بالشكل الأمثل هذا العام”، مشيراً إلى وجود فجوات في المتابعة والتقييم.
أما ما يُعد مقبولاً أو غير مقبول في الدراما، فهو برأيه أمر نسبي، يعكس تعدد القيم داخل المجتمع المصري، حيث تختلف المعايير بين بيئة وأخرى. لكنه يشير إلى وجود “خطوط حمراء يتفق عليها الجميع، مثل رفض العنف والتحريض والكراهية وازدراء الأديان”.
ويضيف أن اللجنة التي ينتمي إليها تؤدي دورها بعد العرض، من خلال تقديم تقارير وتوصيات، لا تقتصر على الانتقاد، بل قد تتضمن إشادة بأعمال جيدة أيضاً. ويوضح أن الهدف ليس الحذف أو المنع، بل المساهمة في تحسين الأداء المهني ومراعاة المعايير دون المساس بحرية الإبداع.
“لا إبداع بقرارات مكتبية”